استمعت كغيري الى كلام السيد مبارك الفاضل المهدي وردة فعل رايه المتعلق بتأييده لإقامة علاقات دبلوماسية مع اسرائيل والتساؤلات حول الدافع الذي قاده الى هذه النقطة الحساسة نفسياً في عقلية الإنسان السوداني في الداخل و البعيد عن محاككة الإخوة الفلسطينين و الذي ظل حاملا لهموم القضية ربما أكثر من بعضهم و قد عايشناهم في المهاجر ولم نلمس فيهم حماسا كالذي كان يملؤنا قبل أن نكتشف أننا كنا نحمل السلم بالعرض بينما هم مشغولين بأعمالهم الخاصة ..و يسخرون من كسل السودانيين هذا على مستوى الإنسان العادي الذي وجد في بعض البلدان وطناً بديلا وإن لم يحصل على جنسيته .. أما القادة فهم أكثر المتاجرين بقضيتهم وكثيرون منهم يتمنون أن تظل مشكلتهم مع اسرائيل تراوح مكانها الى الأبد لضمان استمرار مصالحهم التنظيمية والذاتية دون إنقطاع! بل و لعله من غير المستغرب أن يهمس في أذنك بعض الذين يعيشون داخل اسرائيل من أولئك الذين يسمون بعرب ماقبل عام 48 بأنهم يتمتعون بحقوق لن يجدوها لا في دولةأبومازن في رام الله ولا إمارة هنية في غزة ..والكل يعلم أنهما تتغذيان على ما يأتيهما من خدمات و معونات اسرائيلية وهوكلام نسب معنى ومبنى لسبط المهدي ..بل وزاد عليه بقوله ..وما شأننا بمن باعوا أراضيهم برضاهم و علقوا جرس إعادتها في رقاب الغير! ومع ذلك والكلام من عندي .. فإننا لا نجيزالظلم على الإنسان في أي زمان ومكان ويظل إيماننا بتحقيق العدالة والتعايش في وطنيين لليهود و الفلسطينين بأنه الحل الأمثل لهذه القضية التي إضمحل بريقها بفعل حالةالإستقطاب بين الفلسطيينين أنفسهم كانعكاس لتشتتهم في محاور المصالح الإقليمية والدولية المختلفة التي جعلت منهم بيادقا تتحرك وفق أهوائها على حساب الأنسان الفلسطيني البسيط الذي يتوق الى العيش بسلام في أي ذرة من تراب وطنه السليب من أعدائه وأهله معاً! ملخص الكلام في هذه الجزئية إن تأثير إعلام الإتجاه الواحدالذي هيمن على مسامع وأبصار المواطن العربي بصفة عامة وجعل من قدسية القضية الفلسطينية ثابتاً كان مجردالبوح بغيره مبررا بأن يدفع الصحفي أوالسياسي حياته ثمنا له.! غير أن الأمر إختلف كثيراً منذ زيارة الرئيس الراحل أنور السادات الى اسرائيل في آواخر سبعينيات القرن الماضي وما تلاها من تطورات قلبت الكثير من المفاهيم و بدلت في نفسية المواطن العربي وقبل ذلك فتحت شهية الكثير من الحكومات للتفكير في حل المعادلة بما يوازن بين ولائهم للقضية الفلسطينية و تجنيب ذاتها ما يعرضها لعواقب عدائها لإسرائيل و محاولة كسب مودة الكبار الذين يقفون وراءها ويعتبر رضاهم مفتاحا مفصلياً لصندوق المصالح والوصول الى المهم من نقاط ارتكازها في العالم الحديث! السودان ليس استثناءا من هذه التحولات إن لم يكن على المستوى الشعبي على الأقل .. ولكن على المدى القريب فإن المشير جعفر نميري هو واحدمن القلائل الذين آزروا السادات في عزلته عقب إنفتاحه على اسرائيل وتوقيع إتفاقية كامب ديفيد ..بل أن رجل الأعمال السعودي عدنا ن خاشقجي كان قدلعب دورا في ترتيب لقاء سري في إحدى الدول الأفريقية وأظنها أوغندا بين الرئيس نميري و وزير الدفاع الإسرائيلي حينئذ ارييل شارون ..والتي أعقبته لاحقا عملية نقل الفلاشا الأثيوبيين الى تل ابيب وهي أنشطة ماكوكية لرحلات تمت إبان تغلغل جماعة الجبهة الإسلامية الى مسامات نظام نميري التي تهتك الكثير من خلايا تماسكها خلال تلك الفترة التي قادت الى سقوط الرجل بعد فترة ليست طويلة! مبارك الفاضل هو من نقل للأمريكان معلومة تصنيع الأسلحةالكيميائية بواسطة مصنع الشفاء التي قادت الى تدميره ..وهي من المنظورالأخلاقي وبغض النظرعن قذارة نظام الإنقاذ اوصدق المعلومة من عدمه جريمة يستحق فاعلها المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى ..ومع ذلك غفرتها إنتهازية الإنقاذ التي تعلى كسبها لمن ترى فيه مغفلا نافعا وإن تظاهر بالتذاكي السياسي فوق مصالح الوطن ..وهو ذاته الذي عاد الى حضن الإنقاذ بعد أن لفظته ذليلا كمساعد لرئيس الجمهورية ..وهاهويمسك الان وبقوة عين نادرة بملف الإستثمار الذي عرف بأنه منفذ الى بؤر الفساد على المستوى العالمي منذ تولى الشريف بدر ومصطفى عثمان اسماعيل له ..ولعل مبارك الفاضل وهو يدلي بذلك التصريح يعبر عن رغبةالإنقاذ التي تريد تمريرها عبر من يحمل عنها وجه القباحة لترى مدى تأثير هذا البالون في مسار رفع العقوبات الأمريكية عن نظام الإنقاذ و لانقول السودان ..وقدوجدت في الفاضل ضالتها .. بل أنها حتى لا ينسب الأمر لها كلفت حكامة النظام الوزير أحمد بلال للتملص عن تصريحات الفاضل دون أن تتخذ ضد قائلها ولوإجراءاً توبيخيا ..فتركت الأمر لمهاويس التمسح بحركة حماس من علماء السلطان أن يطلبوا منه التوبة والإستغفار! اسرائيل لم ولن تكن بعيدة عنا .. ونظام الإنقاذ لديه حصيلة من عدم الأخلاق أن يفعل أي شي في سبيل بقائه في سدة الحكم .. وهو نظام يتلون تبعا لظروف ضعفه الى درجة الإنبطاح ولا نقول الإنفتاح .. ولو أن أمريكا قبل اكتوبر القادم ربطت رفع العقوبات وازالة اسم النظام من قائمة الجهات الراعية للإرهاب ..لما توانى الإسلاميويون عن قبول التفاهم مع اليهود كأهل كتاب وستخرج ذات هيئة علماء الشيطان بتبريرات تاريخية .. مثلما أجابوا برضاء الصمت عن القروض الربوية من الصين الملحدة .. وهاهو الرئيس البشير يستعد للسفر الى ضريح لينين لجلب المصالح الشيوعية لإنقاذ ما تبقى من حطام مشروع هي لله ! [email protected]