مشهد مُثير للدهشة أراه في مطار الخرطوم عند الذهاب والإياب، "كاونتر" خاص لشرطة الجوازات، وآخر خاص لجهاز الأمن. مررت على عشرات المطارات في العالم، وبعضها في دول تُعاني من كوابيس أمنية ثقيلة وهُموم ومخاطر الإرهاب الذي يضربها بين الفينة والأخرى.. ومع ذلك لم ألحظ إطلاقاً هذه الازدواجية في إجراءات السفر والوصول. عَلاوةً على الوقت والجهد الذي تُسبِّبه هذه الازدواجية، فهي تبث رسالة سالبة لدى الأجنبي قبل المواطن.. ليس لكونها حذراً أكثر مما يجب، بل لكونها تمنح الإيحاء بأنّ المُؤسّستين تحتاجان لمنفذين منفصلين للحصول على ذات المعلومة.. فعند صالة الوصول قدمت جوازي لضابط شرطة الجوازات وأكمل الإجراء المُعتاد، ثُمّ تقدّمت خطوتين ووجدت "كاونتراً" إضافياً يتبع لجهاز الأمن لم يطلب مني أكثر من جواز السفر.. ذات المعلومة التي قدّمتها ل(الكاونتر) الأول.. شرطة الجوازات.. ألم يكن مُمكناً اشتراكهما في تبادل المعلومة دون الحاجة لتكرار الإجراء علناً؟ المطار هو واجهة البلاد، والانطباع الأول لأيِّ زائر خَاصّةً رجال الأعمال، ألا يُمكن أن نجتهد في إبراز صورة (إدارية) أفضل من خلال الطريقة التي نستقبل بها الواصلين لمطار الخرطوم. ومع ذلك؛ هُناك مَسألة أخرى مُثيرة للدهشة.. بعد دخولنا بوابة صالة الوصول مُباشرةً تدافع الناس نحو طاولات عليها "دفاتر".. يملأ القادمون استمارة الوصول ذات النسختين (ورق مكربن).. قدمت جواز سفري ومعه الاستمارة إلى ضابط الجوازات، ألقى بالاستمارة جانباً ولم ينظر إليها إطلاقاً ثم أدخل بيانات جوازي إلى جهاز الكمبيوتر أمامه، سألته (ما فائدة الاستمارة؟) أجابني بهدوءٍ (ليس لها فائدة).. سألته (لماذا إذاً تطلبون من القادمين ملء الاستمارة؟) رَدّ عليّ بمُنتهى العفوية (نحن لم نطلب.. الكبار في المكاتب الكبيرة هم الذين يطلبون).. قلت له (ولماذا لا تطلبوا من الكبار أن لا يطلبوا من الناس ذلك.. على الأقل ليُخفِّفوا عن أنفسهم عبء تخزين هذه الكميات المهولة من الأوراق؟) ردّ الضابط بمُنتهى الأريحية (ولماذا لا تكتب أنت ذلك في عمودك؟).. في تقديري، الإجراءات الهجرية الشرطية والأمنية في صالتي المُغادرة والوصول في حاجة لمُراجعة عاجلة، تُوحِّد نافذة الإجراء (كما هو الحال في كل مطارات العالم) وتريح الشرطة والمُسافرين من هذه الاستمارات التي لا طائل ولا جدوى منها.. وكل هذا كوم.. ومطار الخرطوم كوم آخر..!! بل ومطار الخرطوم كوم.. وقصة المطار الجديد كوم آخر.. سأحكي لكم فاجعة مطار الخرطوم الجديد من الألف إلى الياء..!! إن شاء الله.. التيار