توطئة : لقد دار لغط كثير حول أداء الديمقراطية الثالثة في السودان، وأثيرت تساؤلات حول ما إذا كانت بعض جوانب القصور والعجز ناتجة عن قصور في آداء الاحزاب أو تراخ في آداء السياسيين ن أم أن الأمر ناتج عن عدم ملائمة النظام الديمقراطي التعددي لحكم السودان. ومثل هذا للغط ليس جديدا في السودان، فقد دار مثله في فترتي حكم الفريق عبدود وحكم المشير نميري. أي انه في العهود العسكرية كانت أنظمة الحكم تسعى الى ازالة اللغط حول الديمقراطية في محاولة للنيل منها بهدف تبرير نمط الحكم الديكتاتوري سواء كان هذا الحكم عسكريا محضا ،مثلما كان في عهد عبود، أم عسكريا متسربلا برداء مدني ومتخفيا وراء قناع الحزب الواحد. ولكن الشعب السوداني كان في كل مرة يحسم هذا الجدل واللغط بالوقوف مع خيار الديمقراطية. حدث ذلك في عام 1964م عندما خرج السودانيون في أروع استفتاء شعبي على الخيار الديمقراطي متحديين حكم عبود العسكري ومفجرين ثورة أكتوبر العظيمة.ثم تكرر الأمر ثانية في إنتفاضة رجب التي اطاحت بحكم نميري وأعادت الديمقراطية للبلاد. هكذا حسمت غالبية أهل السودان الجدل المفتعل واختارت الديمقراطية التعددية نظاما للحكم في السودان مع إجراء الإصلاحات اللازمة عليها إعتبارا بالتجارب الماضية في التطبيق ، وأقرت التمسك بالنهج القومي لإرساء قواعد النظام الديمقراطي التعددي،مع إعتماد النهج القومي في حل المشكلة الاقتصادية وإرساء السلام. ورغم هذا الإختيار الواضح لأهل السودان في مسألة الديمقراطية, فإن نظام العميد عمر البشير أبي إلا أن يكرر خطأ من سبقوه في درب التهجم على الديمقراطية، ناسيا بذلك أنه يتهجم على فطنة أهل السودان وولعهم بالديمقراطية التعددية.ولجأت الجبهة الإسلامية وعسكرها الى محاولة التشكيك في صلاحية النظام الديمقراطي التعددي للسودان وفي أداء الديمقراطية ومؤسساتها ورموزها،وسخرت لذلك وساءل إعلامها وأقلامها ومؤتمراتها المفبركة.