* الرُّسل الكِرام لم يُمَكّنوا في بواكير دعواتهم من الوصول إلى غايات رسالاتهم؛ فكان التبليغ يسير وِفقاً لسنن التدرُّج والحكمة..! لم يسلموا من أذى العامة والزعماء في عصورهم.. وهكذا كل صاحب سراج منير عبر التاريخ؛ يُجابه برياح الرفض ومحاولات الإطفاء.. لكن الهِممُ تمضي بكل هميم لكسر الحاجز الأخير للعبور اصطياداً للقِمم وارتجاءً للقِيم بظلها وشعاعها..! وهل الثورة سوى (قِيم وقِمم) أو هكذا ينبغي أن تكون؟! لا ثورة تأتي من فراغ إن لم تكن مشاعلها تلتمس سبل القيم الكلية التي من أجلها تتفجّر.. والثورات والحركات التصحيحية مجابهة بذات السوام التي تجابه المصلحين كما جابهت أصحاب الرسالات السماوية عبر أزمنة غابرات.. نفهم من هذه الرسالات في بُعدها العميق (أن مواقيت الظلم لو دامت لما ظفر مصلح أو رسول بمبتغاه لاستقامة ميزان الحياة) لكن آجال الظلم تتمدد وفق حكمة البارئ التي سبقت وجودنا وهو القائل (ولا تحسبنَّ الله غافلاً عما يعملُ الظالمون؛ إنما يُؤخرُهُمْ ليومٍ تشخصُ فيه الأبصارُ). فإذا كان المذكورون هم الغافلون عن هذا اليوم؛ هل ننتظر على ظلمهم بلا دفع؟! الإجابة بالعقل: كلا.. إذا لم ندفع الجور ونحن مستخلفون للخير في شموله فلن يسود عدل فوق البسيطة.. والعدل غاية مَاسِية كما الثورة النبيلة التي تزحف فتحتوي البغي لتجهز عليه..! إن أبواب (الثورة والظلم والعدل) واسعة العرصات لمن أراد الدخول والنظر؛ والجامع بينها خيط..! فلننسج السؤال للذات والأخرى على منوال هذا الخيط لمن يخذل الحق: لماذا تعرّض نفسك لضواري السلطان الجائر بكلمة الحق والدعوة لعصيانه؟! وفي الحقيقة إن الداعي للحق هو الإيمان به وليس الإدعاء؛ فما من بناء يتماسك بالدعاية والباطل إلّا سقط ولو بعد حين.. ومن هذا النحو افترعُ قناعاتي ببعض البساطة: 1 الحق تحقيق لآدميتنا وإن شئت (إنسانيتنا). 2 يشهرُ البعض في أقوالهم بطاقة خضراء للخوف بمنطق يصادم الحقيقة؛ يقولون: (الخواف ربَّى عياله) وتجوز هذه السلبية ببساطة للخواف ولغيره؛ كلاهما يمكن أن يربِّي عياله وإذا أمكن سيضم معهم أبناء الجيران! لكن المعنى عندي في لحظات الثورة على الباطل؛ أن الموصوف يربِّي فقط عيال العبودية (لوجاز لنا أن نتخيل ملامحهم البائسة الخليعة المنكسرة) أي العيال الذين يتقافزون في قلبه الخرِب.. إنها بالضبط عبودية الجُبن..! وإذا استعبدك الجبن لا تصرخ من استعباد طاغية؛ فهذا منتهى الظلم للطاغية نفسه..! 3 الأهم مما تقدّم؛ أن الخوف من الخروج الجماهيري السلمي الرافض لسياسات المتسلطين المستعمرين للسودان الآن بقيادة عمر البشير؛ هذا الخوف اعتبره عناد (لله) قبل أن يكون عناداً للوطن! باعتبار أن الخروج والثورة حق تجاه من سرق الكرسي بغير اختيارك؛ وبقىَ بغير اختيارك؛ وفسد بغير اختيارك؛ وسفك الدماء بغير اختيارك؛ وقسّم المجتمع ونشر العنصرية فيه والأمراض والرشوة والمحسوبية بغير اختيارك؛ وتجبّر وتكبّر بغير اختيارك أيضاً. * رغم صيغة المفرد؛ أتحدث عن عصابة مختزلة في مجرم. خروج: * الثورة بنيان لا يُنجز في يوم.. المهم أن يتراص البنيان فيقوى مع الأيام.. ولنثق بأن الخروج في الشوارع ضد جلادينا مُدماك للثورة.. والرفض الذي تبديه تجاه معاناتك المحفورة بأزميلِ حاكمك الفاسد يقوِّي حائط الثورة.. وحتى تشجيعك للخروج على الطاغية وأنت عاجز لأي سبب؛ هو كالدفء للثائرات والثائرين الذين تضربهم كرابيج الفقر والشتاء؛ وإن شئت سياط الدكتاتور..! أعوذ بالله الجريدة الالكترونية