لم يكن المؤتمر الوطني ولا الحركة الشعبية في حاجة إلى الانتقال إلى الخارج للتفاكر حول تطورات الأحداث في أبيي وجنوب كردفان إذا لم تتصاعد التوترات بينهما لدرجة النزاع المسلح وتبادل الإتهامات في وقت البلاد كلها في أمس الحاجة للتهدئة ومحاصرة تطورات الأحداث المؤسفة وتداعياتها الدرامية. ظللنا نعول على الحكماء في المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ولكن تعقد الموقف ميدانياً وتحول الأمر إلى نزاع مسلح أخرس كل الأصوات الداعية للتهدئة والحوار, وعادت الكرة مرة أخرى إلى ملعب الوسطاء والأصدقاء والتأم الطرفان المتنازعان برئاسة رئيس الجمهورية المشير عمر البشير ورئيس حكومة الجنوب برئاسة الفريق أول سلفاكير ميارديت. المفاوضات أحيطت بسرية تامة ولم ترشح حتى الأمس أية معلومات عن ما دار في هذه المفاوضات التي تمت تحت رعاية رئيس الوزراء الأثيوبي ملس زيناوي ورئيس لجنة حكماء إفريقيا ثامبو إمبيكي واستمرت المفاوضات حتى أمس حول القضايا العالقة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وحول أبيي ومستجدات الأوضاع في جنوب كردفان. *إننا نبارك هذا المسعى الإفريقي الذي يؤكد حرص الأشقاء والأصدقاء على استقرار الأوضاع في بلادنا وتأمين علاقة حسن جوار بين دولتي السودان بعد إعلان استقلال دولة الجنوب ولكن يبقى الحل في نهاية المطاف في أيدي السودانيين أنفسهم. *لذلك سواء نجحت مفاوضات أديس أبابا أم لم تنجح فانه على حكماء السودان في بلادنا إضافة للحكماء في الحزبين الحاكمين في الشمال والجنوب تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار ووقف التصريحات والإتهامات المتبادلة التي كثيراً ما تُضخم للاستغلال السياسي ولو على حساب أمن وسلام واستقرار البلاد. *هذا يلقي مسؤولية أكبر على أجهزة الإعلام والمؤسسات الصحفية وهي تؤدي دورها الوطني أن تتبني الدعوة للتهدئة وإتاحة الفرصة أمام التسوية السياسية التي نريدها أن تكون خطوة نحو الإتفاق السياسي القومي. إننا ندرك مرارة الغدر والخيانة ولكن ذلك لا يجعلنا ندفع البلاد كلها في أجواء المغامرة وأتون الحرب من جديد، وعلى الذين يؤججون نيران الفتنة بالأخبار المسيسة والملغومة أن يضعوا نصب أعينهم الأولوية الوطنية الكبرى المتمثلة في استدامة السلام الذي تم ودفعت فيه البلاد ثمناً غالياً، وليس من مصلحة المؤتمر الوطني ولا الحركة الشعبية استمرار حالة التصعيد والعنف المتبادل لأن المواطنين في دولتي السودان في حاجة ماسة إلى العمل النافع لمواجهة تداعيات الانفصال في كل، وهذا ما ينبغي أن يوجه له الجميع جل اهتمامهم بدلاً من تأجيج نيران الفتنة التي بدأت تلقي بظلالها السالبة على الإنسان السوداني في كل ربوع البلاد