بعض الفرحين و المغرربهم في بلاد العجائب هذي ما ينفكون يلوكون هذه الأيام عبارة لعلها تعكس و بشكل صارخ حالة البؤس و فقدان الحيلة التي يحياها الناس في تلك البقعة التي صار الخناق الثقيل بعد إنفصال الجنوب يشتد بها شيئاً فشئ لدرجة أنك تنام اليوم و لا تدري على ماذا تصحو غداً. شعار الجمهورية الثانية الجديد (كرت) و هي العبارة الأحدث التي دخلت على الحياة السياسية في السودان من أوسع الأبواب، مصطلح ذو بريق و لمعان يخلب القلوب و يذهب بالعقول في غيبوبة أُخرى طويلة مماثلة لتلك الغيبوبات التي ما فتئ السودان هذا يخرج من إحداها إلا لينداح تحت أخُرى أكثر عمقاً. تلك العبارة من ذات المفعول الهيرويني الشديد التخدير و لأن ساسة المؤتمر الوطني أدركوا أخيراً أنهم يحكمون شعب من المدمنين الذين يتمتعون بتلك العينة من العقول الشديدة الإستسلام و الإنصياع للشعارات التخديرية التي تتفنن قدراتهم الخيالية في إستنباطها بكل يُسر و سلاسة. و ركب الكثيرون الموجة فيمن ركبوا، مؤمنين حتى اللحظة بأن المؤتمر الوطني يمثل حزب الملائكة المشعة البياض القادمة من السماء و هو الحزب الذي لا يأتي من وراءه إلا كل خير. فما كاد شعار المشروع الحضاري يستنفذ غرضه و تبدأ ملامحه القبيحة تكشف عن نفسها للعيان على نحو فاضح، حتى حان دورشعار الجمهورية الثانية ليفعل بالعقول المدمنة للخيبات نفس ذاك الأثر الرهيب لتستمر الغيبوبة هكذا إلى ما لا نهاية. حالة من اليأس و الهواجس يعيشها الشمال فأخذ يلجأ إلى مكنيزمات الدفاع لإيهام نفسه قبل الآخر بأنه مُقبل على غد أفضل بعد فقد جنوبه و غياب هيبة الدولة بفعل جرائم الحرب المرتكبة و لا زالت في هوامشه و حضور محكمة الجنايات الدولية بقوة على خلفية المشهد و إقتصاد غبي لا زال يترنح في إنتظار اللحظة الحاسمة للسقوط الأخير و المدوي، و إذا كل ذلك يأتي أهل المؤتمر الوطني بآخر و أجدع بنات أفكارهم الخصبة تلك ليعلنوها جمهورية ثانية و لينطبق عليهم المثل السائر.. الغريق يتشبث بقشة حتى و لو من صنع الخيال والوهم!. الجمهورية الثانية تلك التي سوف تكون كدولة ( اليوتوبيا ) الأفلاطونية، و ها نحن الآن نشهد بوادرها المبشرة جداً!. الجمهورية الثانية التي خلفت دولة المشروع الحضاري الفاقدة 25% من إغنى أراضيه و المتورطة حتى النخاع في جرائم تمت بدارفور لتستهل هي الأُخرى ( اليوتوبيا الثانية! ) مشوارها بحرب إبادة جماعية و تطهير إثني مقيت في جبال النوبة بنفس ذات الأنف المتعالية تلك و ستستمر كذلك حتى تقرع طبول الحرب ذاتها على مشارف جنوب النيل الأزرق، إنها تلك الجمهورية التي بدأت مما بدأت به حياتها مجزرة مؤلمة في قلب عاصمتهاغاب فيها الضمير الحي أودت بحياة ثمانين نفس بريئة من المتشردين المهضومة حقوقهم، و هي الجمهورية الثانية الموعودة بجنة الدنيا و نعيمها التي سوف يكون منظريها و مفكريها الذين يرسمون لها الطريق و يقودون خطاها أشخاص مثل الطيب مصطفى و إسحاق أحمد فضل الله، و أحزابها التي سوف تثري حياتها السياسية و تدافع عن أهلها هي أحزاب غاية في التعقل و الوطنية مثل منبر السلام العادل جداً ، فهنيئاً لكم بدولة اليوتوبيا و جمهوريتكم الثانية!.