مع إعلان والي الخرطوم عن ترتيباته (الادارية) الاخيرة لخفض أسعار اللحوم بطرح ( لحوم حكومية) بسعر اربعة عشر جنيهاً للكيلو، قفز الى الذاكرة موقفان مختلفان، احدهما للوزير النزيه النظيف محمد يوسف ابو حريرة الذي تولى حقيبة التجارة لفترة وجيزة إبان حكومة الديمقراطية الثانية التي رأسها الصادق المهدي، وذلك عبر محاولته تخفيض أسعار اللحوم باستيراد خراف استرالية، ولكن رغم سلامة المقصد وانحياز الخطوة الى الفقراء والضعفاء، إلا أنها لم تكن موفقة، ولم تحرز نجاحاً يذكر، والموقف الثاني كان للعميد يوسف عبد الفتاح عندما كان?نائباً لمعتمد الخرطوم أيام الهوجة واللهوجة الانقلابية، والتي كان العميد يوسف احد تجلياتها البارزة حتى اطلق عليه الجمهور لقب (رامبو) تشبيهاً له ببطل أفلام العنف والاكشن الشهير، ومما لا زال الناس يأخذونه على يوسف وإخوته في تلك الفترة الغبراء، هو شطحاته ونطحاته وعنترياته (الثورية) التي حاول في إحداها إرعاب وإرهاب التجار بمظنة أن هذا الفعل سيضطرهم صاغرين لتخفيض الاسعار، فيعم البلاد الرخاء والرفاه، وينعم الناس برغد العيش، فكان أن توعدهم وهددهم صارخاً بقوة ( من اراد ان تثكله امه وييتم اولاده ويرمل زوجته فليغلق م?جره أو يقفل مخبزه) أو كما قال العميد الذي أفسد مقولة سيدنا عمر رضى الله عنه، وادخلها في قياس معيب، ولا غرو فقد كان العيب وقتها يطال النظام من رأسه وحتى اخمص قدميه وما يزال، ومن شطحات وعنتريات العميد غير المنسية كانت مطاردته الشهيرة لتجار المواشي من الجو بطائرة هيلوكوبتر استخدمها في تمشيط الاجواء العاصمية لرصد أية (فلول) من الماشية يحاول أصحابها النأي بأنفسهم وماشيتهم من جبروت السلطة وطغيانها لإجبارهم على البيع بما يكرهون، ولكن أيضاً لم تسفر عنتريات الولاية عن رفاه ورغد، وإنما على العكس فقد خلّفت فقط هذه ال?كرى الاليمة…. لا أعرف من أين سيأتي والي الخرطوم بهذه العجول والابقار التي سيطرحها في السوق بسعر اربعة عشر جنيهاً للكيلو؟، هل هى أبقار اثيوبيا التي كانت النية قد انعقدت لاستيرادها ولكنها لسببٍ ما، لم تستورد، أم انها من السوق المحلي وسيشتريها الوالي بنفس السعر الذي يشتري به التجار والجزارون، ويتحمل فيها الخسارة على سبيل الدعم؟،أم أنها يا ترى أبقار المتعافي وغيره ممن يملكون مزارع من وزراء وما فوقهم وما دونهم، اقتضت الضرورة ان يقدموها قرباناً للسلطة لتتجاوز محنتها مع الغلاء فدفعوا بها بكل رضا ولسان حالهم يقول: اذا ذهبت الس?طة فسبحان من يعيدها، وأما اذا ذهبت الابقار سيسهل تعويضها بمثلها وربما أفضل منها، اذن فلتذهب الابقار ولتبق السلطة. الذي اعرفه ان الاداء الاقتصادي لا ولن يتحسن بالخطب السياسية ولا الترتيبات والقرارات الإدارية، والذي اعرفه كذلك أن المرء يستفيد من تجاربه فلا يكرر الفاشلة منها، ولهذا استعصى علىَّ فهم الخطوة التي اقدمت عليها الولاية، اللهم إلا اذا كانت تنوي أن تشتري من السوق كل نطيحة وموقوذة وما أكل السبع، لتطرحها بهذا الثمن، وعندها لن يسعدنا أن تبيع البسطاء والفقراء (الجلافيط والكراويش) بينما الجزارون ينادون عل? لحومهم الدسمة ( الدعول الدعول أوع من الجلافيط)!!.