عندما تجاوزت الغايات حدود الوعود الخضراء والكالمات المنمقة المعبأة في قوالب التسامي والسماح والترفع الشكلي قيل قديما ان العبرة في الخواتيم لجهة ان دوران عجلة الايام منصة حقيقية لاختبار ما تلهج به الالسن ثم لا تفتأ زمرة المؤتمر الوطني تسدر في ضلالها القديم يبيعون الشعوب زخرفا من القول وزورا، فاذا الفتى لم تعظه ما في غابر الايام فلا خير فيه، ولا يزال امراؤه يعزفون على انغام مزقت اوصال هذا الوطن الغالي وقطعت الارحام ويلتهمون كل شئ كما النار تماما ولسان حالهم يردد هل من مزيد من التقطيع والتحجيم والتشظي الذي كلما طال جزء من هذا التراب ظنوا ان كرامتهم شرعت في الايناع لتحقيق دولة الصفوية والخيرية من دنقلا مرورا بالابيض و خلوصا الى سنار!. وهذا اميرهم احمد هارون يأتي شعب جنوب السودان بما لا قبل لهم به على رده من جميل اثقل الكواهل والاعناق ويقول قائلهم في هدية كان وزمرته به فرحين وهم يصفعون به وجه الضيف القادم من اقصي الجنوب حيث قال ان للشمال دين مستحق على سلفاكيرفي ثلاث محطات جملها في توقيع الشمال لاتفاقية السلام الشامل ولا نعيي انفسنا بكثير رد و قد علم القاصي والداني ان طرفي نيفاشا الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني لم يوقعا الاتفاقية الا وهما خاضعين عن يد وهم صاغرون لضغوط المجتمع الدولي من جهة وضغط ميزان القوة وقناعاتهم حينها بعد ان نال النصب منهم وأيقنوا انها لن تبعث حين تبعث الا ذميمة وتلك المحطة لا نسهب في توضيح بواعثها لان من لا يحترم حقائق تاريخ لاسيما وان الناس قريبي عهدهم بها لا يقدر نفسه حق قدره و ما يعنينا في الامر المحطتان الاخيرتان بحسب حديث “اهل الفضل” احمد هارون عن حديث السيد رئيس الجمهورية في جوبا عند اعلان نتائج الاستفتاء وبعد الاعلان عن دولة الجنوب. وباجترار الذاكرة فان حديث السيد الرئيس لم يخرج في جوهره يومها عن التعاون بين الدولتين و ان الشمال هو الشقيق الاكبر وعن مد يد العون للدولة الوليدة حتى تعبر صراط التأتأة و الحبو وعندما كان الصبح ميعادا للوفاء بما كان من وعد وجد كل الاشادة من العقلاء في الشمال والجنوب اذا بعرقوب يعمد الى حصد كل نخلاته ليلا وقبل بزوغ فجر اليوم الموعود اذا بظهر المجن يقلب واذ بالحدود تغلق فلا بأس ان يُقدم الملايين من اموال التجار الشماليين كبش فداء طالما كانت الخطوة تأتي في سياق “سهر الجداد و لا نومو” وطالما ان من شأنه سير الركبان في البر والبحر باخبار عن مجاعة اجتاحت كل مدن الجنوب، فكان ان تلفت بضائع بملايين الجنيهات للتجار الشماليين في ميناء كوستي، و كان الحدث في فكرته العبقرية البارعة كفيل بجعل الزمرة و من شايعهم ينشدون في الشمال ان (اغلقنا الحدود لشهر فقط فانظر كيف جاعوا)! وما دروا وكيف لهم ذلك ان الناس للناس من بدو وحضر بعض لبعض و ان لم يشعروا خدم، حدث ذلك عقب الاعلان عن نتائج الاستفتاء الذي اجري في التاسع من يناير الماضي اي قبل الاعلان عن دولة الجنوب وكان الغرض منه وفقا لخطة مهندسيها ايقاف المواطن الجنوبي على الثمن الباهظ لاختياره للانفصال،وثانيا افساد الفرحة على شعب جنوب السودان الذي صوت للانفصال بنسبة كاسحة وافهامه ان الانفصال يعني المجاعة وحري بمن لا يجد ما يسد به الرمق ان ينصرف عن كل تفكير او يحس باحساس غير الجوع، وثالثا معاقبة شعب جنوب السودان لان الانفصال بحسب الواقع الماثل احدث هزة اقتصادية قلبت كيان الاستقرار الاقتصادي في الشمال فكان لابد بحسب المؤتمر الوطني ان يشرب شعب الجنوب من نفس كأس المعاناة التي يتجرعه الشرفاء والبسطاء من ابناء الشمال جراء ما ترتب على الانفصال من ازمة ضربت مفاصل الاقتصاد، وعندما انكر عليهم العقلاء من ابناء الشمال ذلك لجهة ان الخطوة ليست من الدين والاخلاق في شئ، اعتلى امين الاعلام بالمؤتمر الوطني ابراهيم غندور منبر الصحافة والسياسة الدوري الذي ينعقد في منزل امام الانصار السيد الصادق المهدي عقب الاعلان عن دولة الجنوب واماط اللثام عن الفلسفة التي يعتمدون عليها فيما اتوا وقال انما سُكرت ابصاركم وما فتئ ان عزف على وتر انهم الحريصون بلا منازع على شعب الشمال دون اغفال الاشارة الى رمي الآخرين من دونهم بوصمة العمالة والارتزاق وهو يقول على الذين يطالبون بفتح الحدود و مراعاة حاجة المواطن الجنوبي عليهم ان يشفقوا ايضا على المواطن الشمالي لجهة ان فتح الحدود من شأنه التسبب في تهريب كل السكر الى الجنوب نشدانا لعائد اكبر لارتفاع سعره هناك ولم نفعل ذلك الا من اجل شعب الشمال وثانيا رفضنا اعطاء الجنسية المزدوجة لان من شأن ذلك التسبب في نزوح ستة آلاف من الجنوبيين الى الشمال وذلك يعني ان الحركة الشعبية ستحكم الفين فقط بعد ان اخذت كل شيء. و السؤال البريء هنا معلوم ان الحدود الآن مغلقة مما يؤكد ان السكر لم يهرب كله ولا بعضه الى شعب الجنوب فلماذا لا يزال السكر يعتصم بسعره العالي عن بيوت العزل من الشعب الذين اعياهم تسليح انفسهم بالارصدة والكنوز المدخرة؟ لماذا تستعر الاسواق طالما كانت هناك استراتيجية حليمة وذكية اتبعت مسبقا؟!.ثم ان الشعب السوداني بفضل سياسات الانقاذ القابضة تفرق اشلاء في بقاع الارض ولا زالت الانقاذ تحكم في السودان ، فما نود قوله هو ان امور الناس لا تدار بهذه السذاجة و لا تفسر الاشياء بهذا الاختزال وبالرغم من ذلك تبدو الرسالة واضحة وهؤلاء يريدون ان يتحكوموا في علاقة بين شعبيين ويريدون تصفية حسابات تخصهم مع جنوب السودان وشعبه بكل ما يبدون من سوءات باسم الشعب السوداني طموحا الى طمر معالم اي تواصل وقطعا لاية صلة بين الشعبين بتصوير الجنوب عدو الشمال المطلق فما أقصر التفكير وما اضيق الافق ما اخربها من ذاكرة تغفل على قرب عهدها ان جنوب السودان لا يزال جنوب السودان وان شعب البلدين بقدر ما جمعهما حرب ومعاناة ودموع جمعهما ارحام واواصر وقرابة في نهج لم يشذ عما تعارف عليه بني البشر في مدرسة الحياة ولكن شعب الجنوب الذي عاشر الشمال يدري بان كل سحابة وان طال امدها الى انقشاع ومن يريد تغيير مجري التاريخ لا يلبث ان يذهب الى مزبلة التاريخ خاسئا، وسيذهب الكل وتبقى الاوطان، وهكذا هي لا تدوم و الا لما آلت ونقول للامراء العبرة بالخواتيم فما فرحتم به من حديث يوم ذاك ومشيتم به الخيلاء امتنانا بين الناس لم يتعد حدود معسول القول وذهب في ساعته و يومه مع الرياح، وعندما لا يكون الايفاء بالوعود غاية في جوهره يذهب ما ينفع الناس و يبقي الزبد جفاء يباهي به اصحابه الناس وهم يحسبون انهم يحسنون بذلك صنعا وحقيقة خاب وخسر من توسد الانتقام والشماتة هدفا نام عليها. ذلك فيما يخص حديث اعلان نتيجة الاستفتاء اما ما يخص الاعتراف بالدولة الوليدة فكان امرا لا بديل له إلا هو. فالحكومة عندما وقعت على بند تقرير المصير للجنوب لم تجبر على ذلك كما لم يكن ذلك فضل خير كما يتوهم الكثيرون وميلاد الاتفاقية لم يكن عسيرا الا لأن كل من الطرفين كان يضع ما يطلب من مستحقات موضع الاصرار الذي لا يقوم الاتفاق الا به فبمثلما اصرت الحركة الشعبية المفاوضة على حق تقرير المصير اصرت الحكومة على تطبيق الشرعية الاسلامية في الشمال وكان لكل مكتسبات اتفاق فأين الامتنان والمنة والتفضل اذن؟!. ثم ان ما كان من اتفاق مؤخرا بين كل من وزيري الدفاع في كل من السودان وجنوب السودان في اديس قضى بفتح عشرة ممرات بين الشمال والجنوب لتسهيل حركة التجارة التي ما اغلقت قط يوم ان كانت طاحونة الحرب تطحن بأصقاع الجنوب وبالرغم من ان الاتفاقية ابرمت قبل اكثر من اسبوعيين من زيارة رئيس جمهورية جنوب السودان ميارديت للسودان بيد ان ممرا واحدا وعلى اهميته لم يفتح وكان للمؤتمر الوطني في ذلك فلسفة؛ ولما تركزت اصل عقيدة اهل الانقاذ في ابتداع الكرامات بغرض بهر الشعب السوداني كدليل على انهم الاقدر وحدهم على صنع المعجزات اخروا انفاذ ما اتفقوا عليه لحين زيارة رئيس جنوب السودان للسودان وما ادراك ما هي فرئيس جنوب السودان ما زار السودان الا بدعوة كريمة ورسمية من سعادة رئيس جمهورية السودان نفسه وعينه وتلك لا تحسب “انبطاحا”من جانب الرئيس على لغة اهل المنبر في مثل هذه الحالات فما يلقاها الا كل ذي حظ عظيم لجهة ان الدعوة لم تكن من اجل دنيا اراد البشير اصابتها لنفسه بل كانت من اجل مباحثة امور شعبين وحقن دماء، ولكن ولان القوم لا يحترمون عقول الشعب ارادوا ادعاء دور البطولة وتسويق الافتراءات فاشاعوا في الناس ان رئيس دولة الجنوب جاء (لوحده) وبحسب نصيبهم من العقل تلك منقصة، وحتى لو كان الامر كذلك فليس هناك ما يعيب في الظاهر ولكن ما استبطن هو انه ما اتى الا ليستجدي الخرطوم ان ترفع البأس وتفتح الحدود لان شعبه جاع اي جاء “متضرعا”وتحدث الرئيس البشير عن فتح الحدود ونستبشر الآن خيرا بعد ان اذاع المرجفون في المدنية ان رئيس حكومة الجنوب جاء يسألهم الحافا وحتى ان كان ذلك صحيحا فالناس بالناس وتلك هي سمة التعارف و تبادل المنافع بين الناس الذي قال به جوهر الاسلام. فمتى يتصالح الامراء والزمرة وما جبل عليه الناس من طبيعة و فطرة و يتصالحون مع طبعتهم كبشر؟!.ومع اننا لا نعفي القائميين علي الامر في حكومة الجنوب من خطل استراتيجية اذا لم تتسبب فقد ساهمت في الازمة بما كان من اهمال الزراعة و عدم تطويرها فينبغي علي القائمين على الامر في السودان ان يستحوا من اصطفافهم في صفوف الشامتين لانهم جزء اصيل مما يحدث للجنوب وجزء من الازمة نفسها و ان ادعى نافع ان الانقاذ لم تكن السبب في مشكلة الجنوب لكونها ورثته ومع حقيقة ذلك الا ان بصمة الانقاذ في مشكلة الجنوب كانت الاقوى اثرا والاكثر تأثيرا لكونها غيرت مجرى مشكلة الجنوب يوم ان اذن مؤذنهم ان حي على الجهاد فألبسوا المشكلة زورا جلباب استهداف الدين والعروبة والشريعة فكانت النتيجة ان اتسع الفتك على الرتق وحملوا الجنوب حملا على التكالب على صناديق الانفصال. ولما كانت النفوس صغارا طفقوا يجترون ما كان من حديث وزير التجارة الخارجية بدولة الجنوب ابان بداية التوترات الحدوية بين البلديين من انهم بدأوا التوجه نحو خيارات اخرى فيما يتعلق باستيراد المواد الغذائية وبالمقابل كان المماثلين له في السودان بحسب ما كنا نسمع قالوا إن الانفصال مكسب للشمال وأنه لا يمكن بأية حال أن يؤثر على اقتصاد الشمال فاذا بالازمة تتمدد واذا بالمكسب ينقلب الى خسارة ولم يشهد المواطن في الشمال اصطفاف على مراكز البيع المخفض إلا بعد أن انفصل الجنوب ولم يوجه الفقراء والشرفاء من الشعب السوداني بالانكباب على أكل الكسرة إلا حينما كانت وحدة السودان تتداعى. غير أننا نجعل العزاء في ان السياسة بين الشمال والجنوب منذ ايام الشراكة لم تحكمها منطق ولا اخلاق. وفيما تبقى نطرق باب الدعوة لتسييس الانفصال.و المخرج الوحيد يكمن في قناعة الطرفين بحاجة بعضهما لبعض و ليس في ذلك ما ينقص من قدر احدهما.و لكسب السلام يوم ان خسرت الوحدة.