كشفت صحيفة (التيار) عن فضيحة تلخص مجمل الأوضاع القائمة حالياً ، حيث أن الطيب أبو قناية الذي عينه عمر البشير مؤخراً كرئيس لآلية مكافحة الفساد متورط في أكبر صفقات الفساد . وأوردت صحيفة (التيار) أمس 23 يناير : مهما بلغ تصورنا لما وصله الفساد، لم يكن لنتخيل أن يصل إلى هذه المرحلة الخطيرة التي أصبحت فيها واجهات الدولة نفسها أدوات امتصاص ونهب أموال الشعب السوداني جهاراً نهاراً وعلى روؤس الأشهاد. الوثائق التي نضعها بين يدي الشعب السوداني مالك هذه الأموال تبرهن وبما لا يدع مجالاً للشك أن شركة السودان للأقطان، وهي واحدة من كبريات الشركات السودانية، تورطت في مخالفات مالية ضخمة وبصورة مؤسسية. المدير العام د. عابدين محمد علي (والذي ظل في منصبه لا يتزحزح منه لمدة 20 عاماً متواصلة) ومعه السيد محيي الدين عثمان (الذي ارتبط بصفقات التاكسي التعاوني في الماضي) أسسا شركات خاصة تحت عباءة شركة الأقطان. شركات قوامها أفراد أسرتيهما. هذه الشركات الخاصة التي أسساها بأسماء أولادهما وأفراد أسرتيهما صارت تتلقى التسهيلات (الحكومية!) ومن وزارة المالية نفسها (التي كان وكيلها د.الطيب أبو قناية رئيس مكافحة الفساد!). وبلغت الجرأة بسادة شركة السودان للأقطان أنهم استوردوا شحنات من (الخيش) من دولة بنغلاديش عبر شركة تركية. الوثائق الخطيرة التي نضعها أمامكم تكشف أن الشركة التركية استخدمت من جانبهم مجرد (كبري) لتمرير الأسعار المبالغ فيها التي استوردوا بها (الخيش). العملية لا يمكن أن توصف بغير أنها عملية (تهريب للعملة الصعبة) وبأرقام فلكية. كانت نفس هذه الشحنات من (الخيش) استوردت العام الماضي من بنغلاديش مباشرة بنصف السعر الذي استوردت به هذا العام عبر الشركة التركية.. وذلك كالتالي: بالة الخيش من النوع (40) سعرها الأصلي إذا استوردت مباشرة من بنغالاديش (800) دولار فقط .. سعرها عبر الشركة التركية (1600) دولار.. بالة الخيش من النوع (30) سعرها الأصلي (600) دولار.. سعرها عبر الشركة التركية (1200) دولار). ويؤكد تعيين الطيب أبوقناية كرئيس لآلية مكافحة الفساد ، ورئاسة المزور جلال الدين محمد عثمان للقضاء في ظل الانقاذ – وقد زور عمره علناً وفي موقع السلطة القضائية ليؤخر ميعاد تقاعده – ، تؤكد الحقيقتان طبيعة الأوضاع القائمة حالياً ، وكيف ان الفساد المالي والأخلاقي تحول إلى منظومة شاملة ، هذا من ناحية ، ومن الناحية الأخرى تؤكد بان النظام الذي يرأسه عمر البشير المفسد وطريد العدالة لا يستطيع ان يكافح الفساد أو يبسط العدالة . والفساد في الانقاذ فساد شامل يرتبط بكونها سلطة أقلية ، تحكم بمصادرة الديمقراطية وحقوق الانسان ، وتحطم بالتالي النظم والآليات والمؤسسات الكفيلة بمكافحة الفساد ، كحرية التعبير ، واستقلال القضاء ، وحيدة اجهزة الدولة ، ورقابة البرلمان المنتخب انتخاباً حراً ونزيهاً . كما يرتبط بآيدولوجيتها التي ترى في الدولة غنيمة ، علاقتها بها وبمقدراتها بل وبمواطنيها علاقة ( امتلاك) وليس علاقة خدمة . وترى في نفسها بدءاً جديداً للتاريخ ، فتستهين بالتجربة الانسانية وحكمتها المتراكمة ، بما في ذلك الاسس التي طورتها لمكافحة الفساد . وحين تنعدم الديمقراطية ، لفترة طويلة ، كما الحال في ظل الانقاذ ، يسود أناس بعقلية العصابات ، ويتحول الفساد الى منظومة شاملة تعيد صياغة الافراد على صورتها ، فتحول حتى الابرار الى فجار ، واما أدعياء (الملائكية) فانهم يتحولون الى ما هو أسوأ من الشياطين !