[email protected] لسبب يتعلق فيما يبدو بسيئات أعمالنا وشرور أنفسنا التي نحاول أن نتقيها، وقد لا ننجح بدرجة كاملة، بسبب الضعف البشري، فقد رزئنا بطائفة من الكتاب فتحت لها الصفجات فعاثت فيها فسادا، شتما وسبا للناس وانتهاكا للأعراض، وتخايلا بكل ما هو قبيح ومستنكر. والأدهى والأمر أنهم يفعلون ذلك باسم الدين الحنيف، جاعلين من انفسهم وكلاء عن الخالق عز وجل، يصرفون للناس روشتات الدخول للجنة، ويخرجون من لا يحبون إلى نار جهنم. وبسبب ما يظنونه بأنفسهم، فإنك عندما تختلف معهم وترى غير ما يرون، إنما ترتكب الكبائر، وتخرج من الملة والدين، أليسوا هم ممثلي الملة والناطقين الرسميين باسم الدين؟، فهم إذن لا ينطقون عن الهوى، والعياذ بالله من هذا الظن، ولا يتحدثون باسم نفوسهم الضعيفة، لتتفق وتختلف معهم، بل هم هيئات اعتبارية مقدسة، لا يأتيها الباطل، ولا الظن السئ، ولا الهوى، ولا الخطأ البسيط. وهم إلى جانب ذلك عاطلون عن مكارم الصفات التي أمر بها سيد الخلق، لا يحملون شيئا من أدب الحوار والمجادلة، ولا يتماشون مع قوله تعالى ..”ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك”، فلهم في الفظاظة وغلظ القلب سهم وافر، حتى كأنهم لم يتركوا شيئا منه للخلق من بعدهم. ولم يسمعوا بقول الإمام الشافعي رضي الله عنه ” رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب” وهو ايضا القائل “وماناظرت أحدا إلا و لم أبال بين الله الحق على لساني أو لسانه ولوددت أن الخلق يتعلمون منى ولاينسب إلى منه شيء”….فهم ملوك اللجاجة والسماجة في القول والحوار، يتسقطون الكلمات تسقطا، ويصطادون المواقف ويحورونها ليظهروا الآخرين بموقع المخطئ والكافر, يبدو أنهم لم يسمعوا بجادلهم بالتي هي أحسن، فغايتهم المجادلة من أجل المجادلة، وهدفهم لفت النظر وإثارة الغبار، ومتعتهم في تخطئة الناس، يأخذون مكافآتهم على عدد من كفروهم وخطأوهم ووصموهم بسئ الصفات والنعوت. والغريب أن أكثرهم ممن بلغ عمرا لا يمكن ان تجد له فيه عذرا فيما يفعله، فلا هو بالصغير ولا قليل التجربة، ولا ممن قد تأخذهم حماسة الشباب وفورانه، بل هم شيوخ بلغ بعضهم من العمر عتيا، وفيهم من حمل الشهادات العليا، لكنه آثر ان يجعل من نفسه مثالا للقول الفصيح “القلم ما بيزيل بلم”. يسكت كثير من الناس الذين تأذوا من أمثال هؤلاء، ليس خوفا منهم ولا تسليما بما يكتبون ويقولون، لكن لأنهم لا يعملون بنفس منطقهم ولا يعرفون كيف يسبون الناس وكيف ينتقلون من مناقشة قضية موضوعية ومنطقية إلى ساحة الشتم واللعن والطعن والهمز واللمز. في زمان مضى، تخصص الصحفي المصري الراحل موسى صبري، في سب وشتم الكتاب والصحفيين الذين يختلفون مع السادات، وسكت معظمهم تأدبا وترفعا، حتى رماه الله في قلم ولسان محمود السعدني السليط، فمسح به الأرض. وكان مما كتبه السعدني لموسى صبري : “إنك شتمت أحمد بهاء الدين، وهو ابن طبقة وسطى رباه أبوه وأدخله المدارس العليا والراقية، فهو لا يستطيع ولا يعرف طريقة للرد عليك، أما أنا فتربية حواري الجيزة وزقاقاتها”. وفي يقيني إن الله سيسلط على هؤلاء الشتامين بعض من فصيلتهم ومن شاكلتهم، فيمسحون بهم الارض سبا وشتما، حتى يصم الناس آذانهم ويغلقون أعينهم، لكي لا يروا أو يسمعوا، وحتى ذلك الحين فليحتسب كل من مسته ألسنتهم واقلامهم كل ذلك ، وليعتبروه في ميزان حسناتهم.