بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يهزم مازيمبي بثلاثية نظيفة ويصعد لنهائي الأبطال    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    وصول طائرة للقوات المسلّحة القطرية إلى مطار بورتسودان    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قتل المرتد
نشر في حريات يوم 25 - 02 - 2012


[email protected]
أدلة القائلين بعدم قتل المرتد المُسالم، ومناقشتها
الدليل الأول: منطوق بعض آيات القرآن الكريم
الآية الأولى: قوله تعالى ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾[43][43] .
وقعت كلمة (إكراه) نكرة في سياق النفي. ومعلوم أن النفي إذا دخل على النكرة أفاد العموم. لذا يجب نفي كل إكراه في الدين، ولا يجوز أن يستثنى منه المرتد عن الإسلام؛ لأن في إجباره على الرجوع إلى الإسلام إكراهًا بلا شك. ومنطوق الآية لا يُجيز ذلك.
ولا يقوى الاجتهاد على تخصيص هذا النص لو فرضنا أنه قابل للتخصيص. ولم يأتِ ما يخصصه في القرآن قط. وإذا أخذنا برأي الأحناف في أن الحديث الظني الثبوت لا يقوى على تخصيص عام القرآن، قلنا بعمومية الآية. أما بالنسبة إلى من يخصص القرآن بالحديث فنقول: لا يوجد مخصِّص سوى حديث عكرمة الضعيف. من هنا لا مخصِّص لعموم هذه الآية. لذا، نخرج بنتيجة واحدة، هي أن القرآن الكريم لا ينص قتلَ المرتد لمجرد ردته، إنّما ينص بشكل قاطع -كما في هذه الآية- أنه لا يُقتل، بل له حرية مطلقة في هذا ما لم يَعْتَدِ.
إن نَصَّ هذه الآية وسياقها يبينان أنها تحمل مبدأً عامًّا غير قابل للتخصيص أو الاستثناء.
وقد ورد في الأحاديث روايات عديدة تُظهر هذا المعنى. حيث روى أبو داود في مناسبة نزول هذه الآية عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَكُونُ مِقْلاتًا فَتَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا إِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ فَقَالُوا لا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾. قَالَ أَبو دَاود: الْمِقْلاتُ الَّتِي لا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ [44][44].
كما أورد السيوطي في “الدر المنثور” تسع روايات في هذا المعنى[45][45].
الآية الثانية: قوله تعالى ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلهمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [46][46].
الآية الثالثة: قوله تعالى ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ﴾[47][47].
هذه الآيات واضحة، وهي تشرح ذاتها بأنه لا يجوز إكراه أحد، ويتفق القائلون بقتل المرتد -لمجرد ردته- معنا في تفسير هذه الآيات، بيد أنهم يخصصونها بحديث عكرمة. وقد فنّدنا ذلك.
الآية الرابعة: قوله تعالى ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾[48][48].
وهناك العديد من الآيات التي تحمل هذا المعنى، مثل:
قوله تعالى ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾[49][49].
قوله تعالى ﴿كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾.[50][50]
قوله تعالى ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾.[51][51]
قوله تعالى ﴿وَمَا عَلى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾.[52][52]
قوله تعالى ﴿ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾.[53][53]
الدليل الثاني: مفهوم بعض آيات القرآن الكريم
الآية الأولى: قوله تعالى ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ءَامِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ ءامَنُوا وَجْهَ النهارِ وَاكْفُرُوا ءَاخِرَهُ لَعَلهمْ يَرْجِعُونَ﴾[54][54]
لو كان هناك عقوبة للمرتد لما خطر ببال هؤلاء اليهود الأبالسة أن يقترحوا هذا الاقتراح. لكن لمّا علموا أن هذا الدين العظيم يمنح حرية اعتقاد كاملة، ظنوا أن بإمكانهم أن يشككوا الناس في عقائدهم من خلال هذه الحيلة المكشوفة. وأنَّى لهم ذلك؟ فإن حجج هذا الدين أقوى مئات المرات من ألاعيبهم .
الآية الثانية: قول الله تعالى ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[55][55].
إنّ عملية قتل إنسان غَيَّرَ دينه لا يمكن أن تسمى حكمةً أو موعظةً حسنةً، ذلك أنّ قتله سيسرع به إلى جهنم، فأين الحكمة وأين الموعظة الحسنة في دعوتنا إياه؟ وأين الجدال بالتي هي أحسن؟
إن هذه الآية تأمر المسلم بأن يدعو غير المسلمين إلى الإسلام بأسلوب هادئ وبأن يناقشهم بالحجة وبالأسلوب الحسن. وهذا يشمل الكافر الأصلي والمرتد، فإن الضمير في (جادلهم) عام يشمل الصنفين.
ولا يُقال إن الآية تشمل الكافر المحارب أو المرتد المحارب، ذلك أنَّ هؤلاء أُمرنا بقتالهم؛ قال تعالى ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ الله الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ الله لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾.[56][56] فالجدال بالتي هي أحسن يشمل غير المحاربين، كفارًا كانوا أم مرتدين، ولا يشمل المعتدين بحال.
وقد يُقال: إن المرتد يستتاب مهلة معينة على اختلاف في تحديدها بين الفقهاء، وهذه دعوة بالحكمة وبالموعظة الحسنة.
أقول: إن الاستتابة بالمفهوم الفقهي المعروف هي تهديد، فعندما نقول للمرتد دَعْنا نناقِش شبهاتك، وعليك أن تعود عنها خلال مدة أقصاها ثلاثة أيام، وإذا لم تَعُد عنها قتلناك؛ فهذه لغة تهديد ووعيد، وليست لغة جدال بالحسنى.
وقد يُقال: إن الآية لا تشمل المرتد، لأن الحديث نصَّ وجوبَ قتله.
أقول: لا يقوى حديث عكرمة على تخصيص هذه الآية كما لا يقوى على تخصيص غيرها من الآيات. فلنجعل القرآن العظيم في منأى عن النسخ الكليّ أو التخصيص (النسخ الجزئيّ) بأحاديث آحاد ظنية.
إن الآيات العديدة التي تدعو إلى الحوار مع الكافرين -كأسلوب دعوة- ليست مشروطة، بل مطلقة عامة، كالقيم الأخلاقية المطلقة مثل العدل والكرم والشجاعة.
الآية الثالثة: قوله تعالى ﴿لا يَنهاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[57][57]
إن بعض المرتدين لا يقاتلوننا في الدين، وهم المرتدون غير المحاربين، لذا فإن الآية تشملهم، وواجبنا نحوهم هو أن نبرهم ونقسط إليهم وأن نعمل على إزالة ما علق بأذهانهم من شوائب، وأن نعمل جاهدين –وبالحسنى- لإعادتهم إلى ديننا العظيم.
ولا نظنَّنَّ أنَّه سيكون هنالك مرتدون عن الدين في الدولة المسلمة، اللهم إلا أولئك المنتفعين الموجودين في كل أوان وفي كل مكان، فليخرج هؤلاء من صفوفنا، وليظهروا حتى لا يُفسِدوا بهدوء.
المهم هو أن نبيِّن حقيقة ديننا، وأنه لا إكراه فيه، وأنه بريء مما نُسب إليه من اضطهاد.
الدليل الثالث
سكوت الآيات، التي تحدثت عن المرتدين في القرآن الكريم، عن ذكر أي عقوبة دنيوية خاصة لمجرد ردتهم. وها هي بعض هذه الآيات:
1- قوله تعالى ﴿ولا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالهمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[58][58].
2- قوله تعالى ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ءَامِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَجْهَ النهارِ وَاكْفُرُوا ءَاخِرَهُ لَعَلهمْ يَرْجِعُونَ﴾[59][59].
3- قوله تعالى ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ الله شَيْئًا وَسَيَجْزِي الله الشَّاكِرِينَ﴾[60][60].
4- قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ءامَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ الله لِيَغْفِرَ لهمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا﴾[61][61].
5- قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبهمْ وَيُحِبُّونه أَذِلَّةٍ عَلى الْمُؤْمِنينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[62][62].
6- قوله تعالى ﴿ مَنْ كَفَرَ بِالله مِنْ بَعْدِ إِيمَانه إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبه مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ الله وَلهمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[63][63].
7- قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لهمُ الهدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لهمْ وَأَمْلَى لهمْ﴾[64][64].
هذه سبع آيات قرآنية تتحدث عن المرتد، ولم تتطرق إلى أية عقوبة دنيوية. كل ما في الأمر حُبوط عمل المرتدّ في الدنيا والآخرة، وله عذاب شديد في جهنم، وعليه غضب من الله، ولن يضر الله شيئًا.
وهناك قاعدة شرعية معروفة، مفادها أن السكوت في معرض الحاجة إلى بيانٍ بيانٌ. وحيث إنَّ هذه الآيات تتحدث عن المرتد، وسكتت عن تحديد عقوبة دنيوية له، فهذا بيانٌ أن لا عقوبة دنيوية لمجرد الردّة التي لا يصاحبها حرابٌ.
الدليل الرابع: عدم قتل المنافقين
ظل المنافقون موجودين في المدينة، لم يُحكم عليهم بالإعدام، مع أنهم وُصفوا بالمرتدين أربع مرات في القرآن الكريم، وهاكم الآيات:
1. قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لهمُ الهدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لهمْ وَأَمْلَى لهمْ﴾[65][65]
2. قوله تعالى ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله وَالله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُوله وَالله يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُون * اتَّخَذُوا أَيْمَانهمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ الله إِنهمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنهمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبهمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتهمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلهمْ كَأَنهمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ * وَإِذَا قِيلَ لهمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتهمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ * سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لهمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لهمْ لَنْ يَغْفِرَ الله لهمْ﴾[66][66]
3. قوله تعالى ﴿لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنهمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾[67][67]
4. قوله تعالى ﴿يَحْلِفُونَ بِالله مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُوله مِنْ فَضْله فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لهمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبهمُ الله عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لهمْ فِي الأرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾[68][68]
وليعلم القائلون بالنسخ أن هاتين الآيتين من سورة التوبة، وهي من آخر ما نزل في القرآن المجيد، وقد تحدثت عن هؤلاء المنافقين، الذين كفروا بعد إسلامهم، من دون ذكر أية عقوبة دنيوية.
الدليل الخامس: الآيات القرآنية التي تنتقد قمع الكافرين للمؤمنين لسبب عقيدتهم
من سنة الله في الأقوام أنه كلما بعث نبيًا عاداه قومه، وحكموا بكفره، وكفر من يتبعه. ويتضمن هذا القتلَ أو الطرد أو المقاطعة أو غير ذلك من أنواع الاضطهاد. وما كان عبثًا انتقادُ القرآن الكريم هذه الأساليب التي يتبعها الكافرون، بل يفهم منه منع الاضطهاد الفكري مهما كان شكله، وبالتالي فهو يمنح حرية التدين المطلقة.
وقد حفل القرآن الكريم بمهاجمة صناديد الكفار، الذين لم يحتملوا سماع كلمة الحق، فراحوا يطاردون المؤمنين، وهاكم بعض هذه الآيات:
1- على لسان والد إبراهيم ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلهتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْته لأرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾.[69][69]
فهذا والد إبراهيم لا يطيق سماع كلمة الحق، ويراها تهز كيانه المهترئ، لذا فإنه يهدد ابنه بالرجم. أمّا إبراهيم عليه السلام فلم يهدد أباه الملحد بالرجم، بل يتمنى له الهداية. فهل يقتدي بوالد إبراهيم أولئك المنادون بقتل المرتد المسالم وبمنع حرية الاعتقاد؟
2- على لسان فرعون ﴿قَالَ آمَنْتُمْ له قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنه لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلاقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَالله خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾[70][70].
3- على لسان فرعون وقومه ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ * قَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبه إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ﴾[71][71].
4- على لسان قوم نوح ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾[72][72]
هكذا.. لا يعرفون مقابلة الحجة بالحجة. فهل المنادون بمنع حرية الاعتقاد هم تلامذة قوم نوح؟‍‍
5- على لسان قوم شعيب ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾[73][73].
6- على لسان قوم أصحاب الكهف ﴿إِنهمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتهمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾[74][74].
هذه الآية تصف حال من يخيِّرُ تارك أية عقيدة بين العودة إليها والقتل. فتأملوا -رحمكم الله- هل يقتفي المنادون بقتل المرتد أثر أعداء التوحيد عبر التاريخ؟
7- على لسان موسىعليه السلام ﴿وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ * وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ﴾[75][75].
هل يطالب نبيٌّ قومَه باعتزاله إذا لم يؤمنوا، وبتركه وجماعته ليتمتعوا بحرية الاعتقاد، حتى إذا انتصر منعهم هذه الحرية؟
وهذا ليس إلا غيضًا من فيض آيات تتحدث حول اضطهاد الكفار للمسلمين لسبب إيمانهم، وهنالك الكثير الكثير من الآيات التي تمقت هذا التصرف.
الدليل السادس: الأحاديث العديدة التي تبين أن الرسول صلى الله عليه وسّلم لم يقتل أي إنسان لمجرد ردته.
الحديث الأول:
ما رواه البخاري وغيره في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَى الإِسْلامِ فَأَصَابَهُ وَعْكٌ. فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي. فَأَبَى. ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي. فَأَبَى. فَخَرَج،َ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا. [76][76]
هذا الحديث يذكر حادثة عملية يتضح من خلالها أن مرتدًّا أعرابيًّا لم ينل أي عقاب على ردته.
اعتراض على هذا الاستدلال ومناقشته:
قد يقال: إن هذه الحادثة حصلت قبل نزول الأمر الإلهي بقتل كل مرتد، وبالتالي فهو منسوخ.
ويرد على هذا بأن ظاهر القرآن مع هذا الحديث، وليس مع حديث عكرمة. ثم إن النسخ -عند القائلين به- لا يُلجأ إليه إلا عند التعارض، وليس ثمة تعارض مع القرآن. أما التعارض مع حديث عكرمة فقد ذكرنا ضعف الاستدلال به، وبالتالي لا يقوى على نسخ هذا الحديث.
الحديث الثاني:
تصالح النبي صلى الله عليه وسّلم مع المشركين يوم الحديبية، “على أنه من أتى محمدًا من قريش بغير إذن وَلِيِّه ردّه عليهم، ومن جاء قريشًا ممن مع محمد لم يردّوه عليه”[77][77]
إذا كان قتل المرتد فرضًا من فروض الدين، وحدًّا من حدود الله، فهل كان الرسول صلى الله عليه وسّلم يتهاون في تطبيقه؟ وهل يقبل بشرط مخالف لحكم شرعي؟
وقد احتج بعض الصحابة على بعض بنود صلح الحديبية كالبند المقابل لهذا البند، والذي ينص أن من جاء محمدًا من طرف المشركين مسلمًا، فعلى المسلمين أن يردوه إلى قريش. لكن أحدًا من الصحابة لم يحتج على البند الذي يفرض على المسلمين أن يتركوا المرتد منهم وشأنه. وهذا يؤكد أن قتل المرتد لم يكن يخطر ببال أحد ممن تربّوا على يدي رسول الله صلى الله عليه وسّلم.
اعتراضات على هذا الاستدلال، ومناقشتها:
قد يقال إن هذا الشرط لا يُقاس عليه، حيث كان المسلمون في حالة ضعف شديد، والضرورات تبيح المحظورات.
ويُردُّ على هذا بأن المسلمين كانوا أقوى من قريش في تلك السنة، لكن الرسول صلى الله عليه وسّلم أراد أن يدخل مكة سلمًا، ولو أراد أن يفتحها عنوة في تلك السنة لما عجز عن ذلك.
وقد يقال: إن هذا الحكم منسوخ.
ويُردُّ على ذلك بأن لا دليل على النسخ عند القائلين بالنسخ، ثم إن هذه الحادثة متأخرة، فصلح الحديبية حصل في السنة السادسة للهجرة. ثم ما الذي يمنع أن يكون هذا الحكم هو الناسخ لحديث (من بدل دينه) إن صحّ؟ وإذا لم يعرف الحديث السابق من اللاحق[78][78] رُحنا إلى مُرَجِّح خارجي، فسنجد آية ﴿لا إكراه في الدين﴾ المطلقة العامة تؤكد ما قلناه.
الحديث الثالث:
روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ فَأَعْطَى اْلأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مائةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ. قَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّه. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ.[79][79]
إن اتِّهام النبي صلى الله عليه وسّلم بعدم العدل وبعدم ابتغاء رضوان الله كفر مُخْرِج من الملة، ومع هذا لم يزد الرسول صلى الله عليه وسّلم على أن يتذكر صبر الأنبياء السابقين له أمام كفر أقوامهم. ولو كان القتل هو عقوبة المرتد، وكان هذا حكمًا شرعيًا واجب التنفيذ لما توانى عنه نبينا محمد صلى الله عليه وسّلم.
اعتراض على هذا الاستدلال:
قد يقال: إن هذا الرجل تاب، أو أن هذه الكلمة خرجت منه من دون قصد.
ولكن هذه مجرد دعاوى لا دليل عليها، بل إن هذا الرجل لم يعتذر عن قولته القبيحة النكراء.
وقد يُقال: من حق النبي صلى الله عليه وسّلم أن يتنازل عن حقه الشخصي.
لكن هذا الرد لا يُراد منه إلا التوفيق بين عدم تطبيق حكم الردّة المتوَّهم وهذا الحديث، وهو توفيق اجتهادي لا داعي له إن لم يكن هنالك تعارض أصلاً كما ظهر.
الحديث الرابع:
ما رواه البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِي اللَّه عَنْه أنَّ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ. فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: سَرِّحِ الْمَاءَ يَمُرُّ فَأَبَى عَلَيْهِ. فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ: أَسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ. فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾[80][80]
هذا الرجل، أيضًا، يتهم النبي صلى الله عليه وسّلم بالمحاباة وبالظلم وبعدم المساواة في تطبيق الأحكام، وبتفضيل ابن عمته على غيره من المسلمين. وتوجيه هذه التهمة إلى النبي صلى الله عليه وسّلم المعصوم كفرٌ بَواحٌ، ورِدَّةٌ بيِّنة. ومع هذا لم يعاقبه الرسول صلى الله عليه وسّلم، ولم يخطر ببال أحد من المسلمين أن يدعو إلى محاكمته.
الحديث الخامس:
ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قَسْمًا أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ؟ قَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّه عَنْه: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُ...[81][81]
وهذا ذو الخويصرة يتهم المعصوم صلى الله عليه وسّلم بعدم العدل، وهذه ردّة مجردة، ومع هذا لم يحكم بقتله.
الرواية السادسة:
ما رواه أبو داود عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ اخْتَبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَجَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... [82][82]
هذا يؤكد أن الصحابة لم يكن لديهم أي علم عن قتل المرتد، وإلا لما اختبأ هذا المرتد عند عثمان، ولما عفا عنه الرسول صلى الله عليه وسّلم، كما يظهر من الروايات.
ولو رحنا نتتبع حياة النبي صلى الله عليه وسّلم لوجدنا حوادث أكثر مما سردنا، فقِصَصُ المنافقين هي مثال حيٌّ على ذلك؛ ألم يقل زعيم المنافقين ﴿ليخرجن الأعز منها الأذل﴾؟ ويقصد: ليخرجن هو رسولَ الله صلى الله عليه وسّلم. فهل خطر ببال أحد أن يقتله على كفره هذا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.