لم يكن الأستاذ الراحل الكبير محمد وردى مغنى بصوته الآسرالعميق،ملحن وموسيقى بارع ووطنى غيور على وطنه ومناضل دفع ماعليه بالكثير وكفى، بل كان أحد عظماء الامة السودانية وجوهرة نادرة على صدر الوطنية السودانية، المطرز بالنجوم. وتكمن قيمته الحقيقة في انه وظف كل قدراته وشغف روحه المفعمة بالجمال وحنينه الدفين للأرض والإنسان وإبداعة الجرئ لتوحيد الامة السودانية بالفن، أي بالأدوات التى يملكها. ومع وعيه بأن الحرية شرط اساسى لتطور الفن والابداع شكلتْ وحدة أهل البلد الشاسع المتنوع هاجسه على مر سنوات إبداعه المجيد، لانه أدرك ومن زمن بعيد فى حياته أننا نحل وقبائل تتباين ألسنتنا وسحناتنا، وادرك بعبقرية الفنان أننا شعوب سودانية فى طور التكوين والتمازج، وان عمرنا المشترك فى التعارف والتلاقى والإندماج قصير، لايتعدى قرن ونصف تقريباّ وهذا وقت قصير فى عمر الشعوب!!!. وتماماً مثل الأفذاذ فى تاريخنا عاش وردى على درب على عبد اللطيف أنا سودانى، وخليل فرح عازة فى هواك، والإمام المهدى فى الراتب، ومحمود محمد طه فى بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء!! قالوا: من الغرباء يارسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد إندثارها!!) وعبد الخالق محجوب، كيف اصبحت شيوعيا، وجون قرنق في السودان الجديد، كلهم وعلى إختلاف وتباين إتجهاتهم إكتشفوا كل على طريقته الخاصة أن سعادة وتقدم إنسان السودان تكمن بالضبط فى الوحدة مع التنوع، اي في وحدة التنوع. إنهم، بالرصاص والشعر والغناء وحبل المشنقة، أفنوا أعمارهم ومن أجل هذا الهدف النبيل. وردى فى عِدادهم بالكلمة الموقف، واللحن النافذ لمسارب الروح وعبقرية إختيار الموقف الوطنى المنحاز الى الشعب. وحتى مع منطق الضعف الإنسانى، فى بعض المواقف، سجل اسمه كجوهرة ثمينة فى سِجل الخالدين. وستظل ذكراه تتفتح مثلما الورد فى كل المواسم، وإن غاب جسده. فله المجد والخلود. وله الحضوُر هنا بقلب العصر فوق طلوله المتناوحة وله التفرُد فوق صهوات الخيول روامحا عمر ادريس فيلادلفيا