المريخ يتدرب بالصالة    لجنة تسييرية وكارثة جداوية؟!!    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع الفيلسوف آلان باديو إن الفلسفة تمنح الشجاعة لكل الناس
نشر في حريات يوم 26 - 03 - 2012


حوار: باتريس مانيكليي …….
تعريب: سعيد بن الهاني*……
على سبيل التقديم:……….
في سنة 1988، بنى ألان باديو ALAIN BADIOU في كتابه (الكائن والحدث)، نسقا فلسفيا قائما على الرياضيات. حاول في كتابه الجديد (القرن)، تقويم التشخيصات التي أنجزت حول القرن العشرين وهي طريقة أخرى جوهرية كذلك للتفلسف. “أن نمنح الشجاعة للجميع"، إذا كان هذا هو ميل الفلسفة. فإن ألان باديو يعتبر بالتأكيد، فيلسوفا كبيراً، من الحماس المتنامي لأعماله في أمريكا إلى الجمهور المتحمس لندواته العمومية، مرورا بهؤلاء الشباب الفلاسفة، الذين وجدوا فيه قوة لدعم رغبتهم في التفلسف، تعتبر أفكاره التي تجسدت في كتابه “الكائن والحدث" من الأعمال الكبيرة في عصرنا الحاضر، الفعل عنده رصين ذو دلالة عميقة، جملته تفوح منها شراسة فكرية ما، أما الوضوح فهو في خدمة إبداع البديهيات الجديدة. عرف ألان باديو كيف يجعل من الإغواء قوة فكرية، لا شخصية تحث كل واحد على فعل ما يقدر عليه، هو روائي ألف مجموعة من الأعمال ومسرحي له عملين، مناضل، فهو ليس من هؤلاء الإكليروس الذين يهربون من كتابه (القرن) المكون من الضجيج والغضب؛ ولكن من اللقاءات العاشقة والعمل الإبداعي. ينشر اليوم كتابا سيحاول فيه وسم القرن العشرين، انطلاقا من طرائق سماها بنفسه، استعارها من الشعر والسياسة والمسرح طرائق هي ستكون بتعبير بودلير “مناراته" التي ستنير له الطريق نحو القرن القادم.
ولد ألان باديو في الرباط (المغرب) 1937، درس والده الرياضيات، وأمه الفرنسية، كان اشتراكياً وله مواقف مضادة من النزعات الاستعمارية، طرد والده من المغرب من قبل حكومة فيشي، انخرط في المقاومة بتولوز حيث أصبح عميدا للتحرير سنة 1956، وب ULM (أولم)، التقى بألتوسير، هيبوليت تين، كنغلييم، لاكان، لكنه ما زال سارتريا (نسبة إلى سارتر)، ناضل ضد حرب الجزائر، وشارك في تأسيس حزب (PSU) سنة 1961، شارك في الخدمة العسكرية كجندي بسيط عازف ناي في جوقة المنطقة الثالثة الجوية، وبعودته من هذه الخدمة عين بثانوية Reims، وفي سنة 1969 عين بفانسان VINCENNES بمجرد إنشائها، ساهم في وجود هذا المكان المتفرد، في الوقت نفسه، عرف بنزعته الحركية السياسية، وإبداعه الفلسفي (مع فوكو، دولوز، ليوتار، شاتلي، رانصيير).
شهدت سنوات 1969–1980 حياة سياسية مكثفة، في إطار التنظيم الماوي(UCFML)، الذي أسسه مع ناتشا ميشيلNATACHA MICHEL، وسيلفيان لازريسSYLVAIN LAZARUS، والذي أصبح تنظيما سياسيا فيما بعد سنة 1985، ساهم في خلق خلايا في المعامل، واجتماعات في الأقاليم والشوارع، كما ساهم في صنع صداقات داخل أماكن تجمع العمال..إلخ. ستشهد سنة 1986، بداية ندواته مع الجمهور في مساء الأربعاء، والتي استمرت طويلا. وفي سنوات 1994-1996 ألف مسرحيات من أبرزها DES AHMED التي أخرجها CHRISTIAN SCHIARETTE، وفي سنة 1999 عين أستاذاً بالمدرسة العليا للأساتذة، وهو يشتغل منذ تلك اللحظة وإلى الآن في مشروعه “à sa logique des mondes"، كما يتم حالياً كتابه “L' ÊTRE ET L' EVENEMENT “. ومن أهم أعماله: Théorie de Sujet 1982نظرية الذات/L' ÊTRE ET L' EVENEMENT 1988 الكائن والحدث/Manifesté pour la philosophie 1989 بيان من أجل الفلسفة/ Ahmed le Subtil, 1994 أحمد الحاذق/Ahmed Philosophe, Suivi de Ahmed se Fâche, 1995 أحمد الفيلسوف، ويليه (أحمد يغضب).. وهنا أهم ما جاء في الحوار الذي نشرته المجلة الأدبيةMagazine Littéraire في عددها 438/ يناير 2005م:
*
في سنة 1988، نشرتم كتاباً عظيماً بعنوان غامض (الكائن والحدث) وهو نسق فلسفي حقيقي، كأننا أمام شيء لم نعهد رؤيته، فما هي العلاقة التي توجد بين مثل هذا العمل المنخرط في زمنية الأعمال الكبرى للفلسفة الأساسية، وكتابك الجديد حول القرن العشرين؟.
**توجد هناك على الأقل علاقتين اثنتين، الأولى أنه حتى داخل المشروع النسقي نفسه الذي هو نسقي بالفعل، أدعم التشخيص الذي يقول بأن الفلسفة تستند على عصرها وهو الشيء الذي يعد جزءً من الفلسفة نفسها. الفلسفة، أنا متفق مع هيجل، إنها تأتي بعد، بعد الأشياء كالحب، الفن، العلم، السياسة، هي إبداعات من المستوى الأول، بينما الفلسفة تأتي في مرحلة زمنية ثانية، وهو الشيء الذي لا يعني أنها ثانوية، ولكنها ثانية. تجمع الفلسفة في هذا التأخر كلاما Un dire حول الزمن، وبهذا الالتباس الذي يزعم قولا خالدا حول الزمن، وليس قابلا للاختزال فيه بشكل كامل. يعتبر السؤال “ماذا يعني القرن العشرين؟" سؤالا داخل الفلسفة، فهو مثل السؤال الذي كان يسكن أفلاطون “ماذا تعني المدينة اليونانية؟" وكانط “ما هي الأنوار؟"، هذه هي العلاقة الأولى، في العمق هي علاقة تقليدية، ومطابقة للفكرة التي أعطيتها للفلسفة. وبعد ذلك، هناك العلاقة الثانية السجالية، فضلا عن أنها تعتبر بعداً طبيعياً تتمثل وظيفتها في التنظيف المزيل للركام والعوائق، كما أنها تمثل المعركة الأبدية التي أشار إليها كانط سابقا، فإننا نجد أنفسنا في فرصة مناسبة. يجمع كتابي (القرن) Le siècle ندوات أنجزت بالكوليج الدولي للفلسفة حول مقاربات القرن العشرين. كنت أنوي الإجابة عن سلسلة من التوسيمات المهيمنة والتي تعتبر وقائعيا ثابتة لا ريب فيها- مثل القرن العشرين، كقرن المذابح الكبرى، قرن الإبادات، والحروب العالمية الدامية، والمشروعات المجهضة- ولكنها تعتبر مختزلة في فكرة أظنها خاطئة، والتي تقول بأن القرن العشرين كان هو قرن يوتوبيات Utopies المجرمين، قرن بمتخيل مفرط يعتمد على أساس مبدأ الواقع الذي لا يمكن أن ينتهي إلا بواسطة الهدم. لا أقول بأن ذلك كان غائبا، ولكنني أقول بأن ذاتية المؤلفين في هذا القرن الذين التقيتهم، وصادفتهم، عرفتهم مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، في الأدب، وفي النصوص السياسية، والمحاورات المناضلة، وفي أسرتي أيضا، حيث ساهم الجميع في المقاومة والتحرير، لقد كانت بكل بديهية حالة مستعجلة فرضها الحاضر. والتي عززناها بعد ذلك بواسطة تمثلات مستقبلية، إنه قانون عام، إنها بالضبط كالحالة التي نبدأ بها في علاقة حب حيث نقول “أحب دائما" ومهما كانت جميع أنواع الأسباب. لكن ليس ذلك هو الذي يشكل كثافة لقاء العشق، فهو بمثابة دعم له ليس إلا.
*تقول بأن القرن العشرين يتسم ب “شغفه بالواقع"، لكنه لا يجب على هذا الشغف أن يؤدي بالفلاسفة إلى ترك الفلسفة؟ أنت بنفسك ألم تتعرض إلى هذه الغواية؟، فمنذ سنة 1969 كان “مفهوم النموذج" وفي سنة 1982 كان كتابك “نظرية الذات"Théorie du Sujet، ثلاثة عشر عاما بدون كتابة كتاب فلسفي واحد..
** نعم، لقد كانت غواية القرن. هنا أيضاً، كما لو كنا نتحدث عن غواية تضحوية: المثقفين في علاقتهم بالحزب الشيوعي، الثورة، البروليتاريا..إلخ. طغت عليهم مازوشية من نوع ما، والتي جعلتهم يتخلون عن الروح النقدية، عن الذكاء، عن كل شيء باسم القضية. لكن الإغواء الأكثر جذرية، كان هو اعتبار الفلسفة في وضعية ثانوية، وتابعة شرعيا للالتزام السياسي. هذا الأخير، عندما يكون حقيقيا فإنه يوجد في وضعية استعمال محايث، له قوانينه الخاصة. إنه يوجد في حالة استعجال للحاضر، في انتظام المسؤوليات، بأسلوب للنقاش خاص جداً، من الصراعات وتحت تأثير أميزه عن التأثيرات الأخرى الممكنة بالنسبة للفلسفة، يتعلق الأمر بالحماس الذي يعتبر بالفعل نزعة مفترسة. ظهر أنه من الأحسن كتابة الكتب الفلسفية، لأن كتابة مثل هذه الكتب لا يعتبر ميلا يدعمه إشعاع خاص، إنه لأمر حقيقي إذن –باستثناء مسرحية الشارة الحمراء L' Echarpe rouge التي وجدت في قلب نزعة غنائية مسرحية كلوديلية ليست مملاة إذن من طرف إيديولوجية زمنها- كنت أمارس السياسة، رغم أنها عطلت وصلي بالفلسفة.
*هذا الوصل، قمت به في كتابك “نظرية الذات" حول ثيمة مرتبطة جدا بالمتوالية التي تحدثنا عنها آنفا في كتابك “الكائن والحدث" تقول بأنك تبحث عن أنطولوجيا تكون ملائمة للطريقة التي حولت فيها مقولة الذات Sujet من طرف الممارستين الماركسية والتحليل النفسي. لماذا تعتبر إعادة التعريف هذه مهمة جدا، ولماذا هذه الإعادة محتاجة لأنطولوجيا، ولماذا تقول في كتابك “الكائن والحدث" أنك أخطأت الطريق في كتابك “نظرية الذات"؟.
**توجد في كتابي “نظرية الذات" نوعا من الطراوة الخاصة، مرتبطة بشيء ما لم يناقش بعد تماما. الفلسفة حاضرة هنا، لكن في تشابك أيضا مع شيء آخر غيرها. كنت قد بدأت بالأخذ من هذه المتوالية السياسية نوعا من اليوميات الفلسفية ابتداءً من سنة (1975-1976). في كتابي “نظرية الذات" الذي هو عبارة عن مجموعة من الندوات. وبما أنه يتعلق بمجموعة وقائع يومية، فإنه يتموقع بين شيء يوجد قريباً جداً من هذه الممارسة، وشيء يمكن أن يفتح بطريقة أكثر كونية الدروس أو التفرد. ولهذا السبب، كان يجب علي أن أبني جهازا أكثر اتساعاً يمكنني داخله أن أضيء بالنسبة إلي ما يصنع الطابع الاستثنائي لذات هذه الممارسات. لأن ما يهمني في العمق، وشغفي الحقيقي هو الاستثناء وهذا ما يجعل الوضعية البديهية متفردة بشكل مكثف، ومن وجهة النظر هذه، أعارض التيار المهيمن في الفلسفة اليوم بمعنى الاهتمام بما هو مألوف والذي يعتبر في جميع الأحوال من جهة أخرى مهما جدا: أي فلسفة اللغة المألوفة، وما هو يومي، والانعطافات المجهرية للحياة. ليس هذا هو اهتمامي، هذا ما أحتفظ به ربما من أفق بطولي. تعتبر هذه الاستثنائية ذاتية. يمكننا أن نعيد لها أهميتها بقولنا “هكذا إذن، إنه الاستثناء الذي ليس كالآخرين المتبقين". وبالمقارنة، وبواسطة هذه الاستثنائية التي ليست ملموسة داخل نفسها. لكنني لا أريد اختزال نسق هذه الاستثناءات في السياسة. يبدو أنها حقا كانت مهيمنة بسبب انتفاضة ماي1968. لكن ربما قد يكون ذلك حقيقي، وقد كان ذلك دائما بالنسبة لي انبهاراً رياضياً، الذي هو عكس التزهد. أنا سبينوزي (سبينوزا) في هذه النقطة، للغبطة الفكرية شكلها الخالص، إنه شيء ما خبرته مبكراً، لم أعرف ماذا أفعل به لمدة طويلة، لأنني كنت سارتري.
*أنهيتم كتابكم عن الاختلاف بين “النزعة الإنسانية الجذرية" لسارتر و"النزعة اللاإنسانية الجذرية" لفوكو. لقد كنتم شخصيا مخترقين بالصراع الذي ظهر بارزا وسط سنوات الستينات تحت عناوين “النزعة الوجودية" و “النزعة البنيوية"، أليس كذلك؟.
** فعلا، إنها تاريخيتي الخاصة، لحظتي الفلسفية الشخصية، يعتبر الوجود والفكر فضلا عن النزعة الإنسانية، والنزعة اللاإنسانية، كلها توترات مررت بها في الستينات، مصدرها انبهار سارتري، قيل لي أحيانا أنني أحاول الإبقاء على الحدين القصويين، عبر مقولة الذات أحافظ على نزعة بطولة وجودية في حدها الأدنى في استبداد الأشكال. أظن ذلك صحيحا كما أنه صحيح بالنسبة للاكان الذي كان يشكل في البنيوية أهمية كبرى بغض النظر عن رؤيته التشاؤمية، بل الرؤية الحتمية المتعلقة بالذات. أحس أن لديه في حكمياته مثل “عدم الاستسلام للرغبة"، كما في العلاقة الثابتة بالبعد الأدبي، شيئاً لا يمكن تفسيره من خلال النتائج النهائية لنزعة شكلانية صارمة. تعتبر الذات بالتأكيد عند لاكان أثرا، لكنها ليست أكثر من ذلك عند سارتر. خذوا مثال فلوبير، في كل حادثة من حياته تسند وظيفة ما في عملية بناء هذه الذات التي نسميها فلوبير. في العمق، تعتبر الذات نقطة لما هو غير قابل للبث D'Indécidabilité، بين الحركية والسلبية. يمكننا أن ندخل من هذا الجانب أو ذاك الجانب الآخر، أن نتهم أحدهما بالمبالغة في التنازل للسلبية، بمعنى لما هو مُؤَسَّسٌ سابقا، والآخر نتهمه بالمبالغة في التنازل لما هو مُؤَسِّسٌ، أما إذا كانت الملاءمة موجودة في الحفاظ على هذه المقولة، فبسبب هذه النقطة المتعلقة بما هو غير قابل للحسم.
*بعد كتابك “الكائن والحدث" كتبتم كثيرا للمسرح، ولكي تتملكون هذه الممارسة المتعلقة بالزمن الثاني الذي هو الزمن الفلسفي، هل تُغيِّر الفلسفة أشياءً كثيرة عندما نكتب؟.
**إنه سؤال كبير، لقد خلطت الأشياء وشوشت عليها كما في السلسلة المسرحية “أحمد الفيلسوف" Ahmed Philosophe الأكثر تمثيلا، مادامت هي سلسلة قد أنجزت حول الفلسفة، لكننا يمكن أن نتساءل دائما، ما إذا كان هناك شيئا ما فطري خالص، بريء تقريبا في التمسرح لم تفسده زيادة الضريبة الماكرة، إن لم تكن الفلسفة، على الأقل في اتجاهها الذي تريد به أن تكون في الزمن الثاني. على أية حال، لا أكتب حسب هذه القصدية. أنا بدأت من جهة أخرى بالكتابة في الأدب، وعندما أعود إليه فهو عنصر أحياه بشكل طبيعي وأصيل، كما يحياه الآخر. تفترض القدرة على الإقامة في الجديد وجود منفذ للحقيقة، فثمة شيئا ما مظلم، يعتبر أثرا لإكراه معتم. أتفق مع دولوز عندما يقول بأن الضربة تأتي على الظهر ولا نلتفت بسهولة أكثر من ذلك. إلا أن ذلك ليس صحيحا، بالمقارنة مع ما يقع للفلسفة، لأنها مجبرة دائما أن تحدد وضع شروطها. حتى بالنسبة للفلاسفة الأكثر معارضين للفلاسفة، هم في حالة تكرار لما قالوه. يمكننا، إذن، أن نفكر بأنه عندما يكتبون، ليس ذلك عبثا كبيراً، فأنا أره عند سارتر مهم جداً. فعندما أعيد قراءة “دروب الحريةLes Chemins de la libérté ، أحس باهتمام ما.. لا يتعلق الأمر برواية الأطروحة، لكن هناك شيء ما محكوم بقوة في الداخل، نشعر بأن قدر الشخصيات له معيار ما. هؤلاء أبطال الحرية ليسوا أحراراً تماماً. يمكن أن يحدث لي ذلك بدون شك. لكن في المسرح، لا. أكتب بالأساس مسرحيات، بل فكاهات. أقول مع ذلك، إنه لو أضحكت حقيقة هذه الفكاهات.. إنها بمثابة قياس للأثر، ومعيار للحقيقة. ولأنه يجب الاعتراف بذلك، فمن النادر بالنسبة للفلسفة أن تعمل على الإضحاك، ليس ذلك ميلها الأساسي. ذكية هي، ساخرة، نعم، لكن الضحك شيء آخر.
*ربما نكون أقل عزلة داخل المسرح..
**بالنسبة للفلسفة، تعتبر عزلتها نسبية: فبراعتها (دِقَّتها) ملازمة لها. لا يوجد أحد مع ذلك لم يكن في حاجة إلى الجمهور، وللعنوان الجماعي، وللدرس. بغض النظر عن كل ما قيل ضدها وبالخصوص من طرف ديريدا J. Derrida. تبقى الشفوية أساسية. حتى وإن اتخذت الكتب أهمية خاصة، تتوجه الفلسفة إلى أناس موجودين مباشرة هناك. إنها ديداكتيكية، بسبب انشدادها إلى ماهيتها. يتعلق الأمر بتبيان الحقائق، والعمل على وجودها (انوجادها). أخيرا، يجب أن نعطي في الفلسفة شيئا من الشجاعة لجميع الناس. حتى بالنسبة للفيلسوف الأكثر يأساً، حتى والأكثر تيئيسا، فهو يوجد هنا من أجل هذا الشيء: يمكننا استبطان هذا اليأس. وأن نجعل منه حكمة. يتعلق الأمر دائما برفع مقام هذه الوضعية. لقد أبدع الفلاسفة ليس فقط صورة السيد، ولكن أيضا صورة الأستاذ. بإمكان الفلسفة أن تكون كذلك بطريقة أكاديمية ومشؤومة (كارثية)..لكنها ستظل دائما أستاذية. يبين هذا الميل الديداكتيكي القرب المباشر للفلسفة ليس فقط مع الزمن، ولكن أيضا مع الشباب. فإفساد الشباب، لن نخرج منه سالمين...
*في الواقع، يحبل كتابك الأخير بمجموعة من الإرشادات القرائية. إنه كتاب حول النقل أيضاً (أو التحويل) Transmission.
**فعلا، تعتبر الفلسفة مهووسة بنقلها أسرار الزمن، فهي لا تتساءل فقط لماذا يوجد شيء ما وليس وجود أي شيء على الإطلاق؟، ولكن هل يوجد هناك، حقاً، شيء ما؟. لقد دفعت من جهة أخرى الأشياء بعيداً جداً، ما دمت قد أعددت “بيان من أجل الفلسفة" Manifeste pour la philosophie ملحقا لعنوان “إرشادات لفيلسوف اليوم الشاب" Conseil pour un jeune philosophe d' aujourd' hui وهو عبارة عن إرشادات متشعبة للقراءة والأسئلة. تمكننا من إقامة تمرينات تتعلق بالنقاش الجماعي. لقد أوهنوا عزمي عن نشر هذا العمل، فقالوا لي بأن هذا البيان عبارة عن ديداكتيك قريب مني جدا. هذا لا يعني أن هذا السؤال الموجه إلى الشباب ليس جانبيا. إنها الطريقة، التي -رغم أنها تأتي بعد-، فإننا نحاول مع ذلك أن نأتي من خلالها إلى الأمام، وأن لا نكون فقط في وضعية رثاء (أو تأبين) الليل الذي يسدل أستاره. أكيد، غداً سيطلع النهار وسيحلق بسقوط الليل طير مينيرفا Minerve ، فما يمكن للفلسفة أن تفعله هو أن تبقى كشهادة أبدية وغير قابلة للتعويض. سيتغير هذا الشيء الذي اختفى إلى شيء ظاهر، وبالضبط مثلما هو واقع الآن، عندما نقرأ أفلاطون، يمكننا أن نقول: كانت هناك الرياضيات اليونانية، والنقاش مع هوميروس والسوفسطائيين. إنه ليس فقط عالم تاريخي بكامله ولكنه عالم ذهني، عالم من الحقائق يشهد عليها أفلاطون بعد فوات الأوان، ولكن كذلك قبل فوات الأوان. أن يوجه سقراط الخمسيني سنّا، إلى فئة الشباب من الناس، إنها استعارة. نأتي دائما بعد الأشياء، ولكن لنا إمكانية أن نأتي إلى الأشياء من قبل، إذا تمكنا، عبر المقولات التي ننحتها فإن شيئا ما قد يتم جمعه مرة أخرى، وبعثه مما كنا له معاصريه المتأخرين. مثلا، أن ننقل ما كان متوالية لما كنا قد تحدثنا عنه قبل قليل، فبنظرة معينة من الداخل للقرن العشرين يعتبر ذلك ميلاً فلسفياً بامتياز.
*فلسفياً، يبدو أن هذا الأمر يمر بواسطة إعادة تعريف للجدلية، نراها أيضا في كتابك (القرن) Le siècle، وهذا أيضا ما كان يبحث عنه دولوز، وفي لحظة من اللحظات ظن من جهة أخرى أنه قد وجده في البنيوية. بل إذا ما صدقنا (فانسون ديسكومب)Vincent Descombesالذي قال بأن كل الفلاسفة الفرنسيين يبحثون عنها منذ مجيء (كوجيف) Kojève إلى باريس في سنة 1933..
**نعم، ربما..السؤال “هل بإمكاننا إعادة تعريف الجدلية ونحن نصنع اقتصاد السلبية؟"، إذا ما تشبثنا بهذه الحكمة العامة جدا، فهذا السؤال يلزمنا جميعا، لأن المحاولة الأولى التي تتعلق بإعادة توظيف الجدلية بعد الحرب، كانت محاولة سارتر في بعد نزعتها العدمية. وهو الشيء الذي شغل بال ألتوسير، لاكان، فوكو، دولوز، وبعد ذلك أنا المتبقي فيهم على قيد الحياة...
*الباقي فيهم على قيد الحياة؟!.
**أي، اختلت علاقتي بالمقارنة معهم زمنيا، لكني مع ذلك أحمل شعوراً حدسياً برؤيتهم يختفون، لم يموتوا شيوخاً، هذا يمدني بانطباع.. شيء ما ذا طبيعة شبحية، وليس انطباعاً بكوني الباقي فيهم على قيد الحياة في معركة خاسرة. ليس هذا طبعي الخاص، ولكن، على أية حال، رأيتهم يسقطون، ثم إننا نتوفر على قواسم مشتركة كما قلت لك.
*تميز تحت عنوان هذه الجدلية الإيجابية، في كتابك “القرن" بين طريقتين: تلك المتعلقة بالنزعة التضادية Antagonisme التي تلح على لا اختزالية الاثنين في الواحد، وتلك الطريقة المتعلقة بما هو طرحي Soustractive الذي تعبرون به.
**نعم، لكن ألح على ذلك في الوقت نفسه، كخيط ضعيف نوعا ما، سري.. شيء ما شغل القرن العشرين، بالمقارنة مع الترسيمة الخيالية الجدلية ذات النزعة الحماسية للسلبية والهدم. لنأخذ على سبيل المثال: (مربع أبيض على عمق أبيض) Carré Blanc Sur Fond Blanc ل “ماليفيتش" Malevitch بإمكاننا رؤيته كهدم للون والشكل، ولكن أيضا كطريقة لإعادتهما للوحة، وكمكان وجدا فيه، وأن نضع بشكل بديهي في الخضم نفسه لهذه الوضعية الاختلاف الأدنى بين الأبيض كعمق، بالنسبة للأبيض كشكل.. إذا ما قبلنا أن الجدلية الإثباتية التي تدور حول فكرة" “ما هو الجديد، ما هو الإبداع؟". إذن، فسنتساءل: “ما هي علاقتها بالماضي؟ هل يجب على الماضي أن يموت لكي يظهر الجديد؟". إذا ما كنا نشتغل بشكل أسلوبي (رسم خيالي) Schème حيوي ما، سنعتبر أخيرا أن كل ذلك يمكن التفكير فيه بشكل إثباتي داخل فضاء “العودة الأبدية" بالمعنى النتشوي (نيتشة) لهذا المصطلح، وأن الهدم نفسه ما هو إلا الخيال وقد أُخِذَ من هذا الإثبات المكرر للمرة الثانية. لكن نعم، مثلما فعلت أنا، لا يجب أن نتموضع في شكل أسلوبي حيوي ما، فالأمر معقد جدا. يعين الطرح واحدا من الرموز الحسابية التي تهتم بهذا السؤال. توجد هنا الخفايا (والأسرار) الأكثر تكلفا (اصطناعية) للقرن، في ما نتوفر عليه في الوقت نفسه كقاسم مشترك، وفي ما لا نتقاسمه. الهدم أو الطرح. ليس جوهريا إلا هذا الاختلاف LA DIFFéRENCE في نهاية القرن العشرين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.