أنصح بشدة من لم يطلع على الجزء الاول من حوار الغراء(الاهرام اليوم) المنشوربعدد الامس مع مولانا خلف الله الرشيد، وهو من هو في مجالات القضاء والقانون علماً وخبرة وتاهيلاً وحكمة، وليس (علماني أو شيوعي) هذه التهمة الساذجة والفطيرة التي أصبحت كليشيه يلقي به في وجه صاحب أي رأي مستنير أو رؤية مختلفة، أنصحه بمطالعة الحوار ليقف على حجم الجوطة والخرمجة الضاربة أطنابها في نظامنا القضائي والقانوني على حد تعبير هذا الهرم القانوني الزاهد في الأضواء والمقل في الحديث لاجهزة الاعلام إلا حين يفيض به الكيل فيضطر للفضفضة حتي لا يكتم شهادة الحق فيكون من الظالمين، وقد لخص الرجل مراجعاته القانونية والدستورية في عبارة جامعة ومانعة مثّلت أبلغ وصف وأدق تعبير للذي يدور، فاقرأه يقول: (ده كلو غلط والبيحصل في ناس ما عاوزين الناس يفهموا عشان كده يجوطوا جوطتهم دي ويبقوا في السلطة) وبهذا المعنى فانها سلطة للسلطة والجاه وليست هي لله حسب الزعم المعروف والمعاش، والجوطة والخرمجة المستهدية بالنهج الذي أشار اليه مولانا لم تقتصر على مجال دون آخر، وإنما كان لها في كل مجال نصيب، حسبنا منها بهذه المناسبة القصة التي يرويها أبو القاسم أحمد نقلاً عن آخر (ولكم في القصص عبرة يا اولي الالباب)… تقول القصة، نال صاحبنا ود الحبوب حظاً من التعليم ليس كبيراً، شهادة وسيطة ولكنها أهّلته لتولي وظيفة في تلك المؤسسة المهمة التي ترتبط بها مصالح المواطنين في المدينة الكبيرة. كان ود الحبوب ذا إنتماء حزبي واضح، فهو من شباب الحزب العامل، وعلاوة على ذلك كان ذا فطنة وواقعية، لا يخفي تبرمه من بعض تصرفات أقرانه في الحزب الكبير، كما كان يعارض ما يراه غير مناسب من سياسات حزبه، وكان يؤمن بالمؤسسية ولكنه كان ينزل على رغبة حزبه في كثير من الأمور. استمر صاحبنا ود الحبوب في تلك المؤسسة مؤدياً مهمته المزدوجة حزبياً وعملياً، الى أن بدأت بعض الكشوفات في التوافد الى تلك المصلحة الكبيرة، كانت الكشوفات بعضها إحالة للمعاش وبعضها نقل لجهات أخرى. ثم اسفرت عن وجهها الحقيقي حين بدأت تصل كشوفات إبعاد – ثم فصل – حتى كادت تبلغ (كشوفات كشف الحال). وظل صاحبنا ود الحبوب بعد وصول أي كشف أو قرار يجد نفسه يطير الى أعلى ثم الى أعلى، الى أن صار هو الشخص الأول في تلك المصلحة الكبرى ذات السلطات الكبيرة. دعا ود الحبوب في أول اسبوع من رئاسته لتلك المؤسسة الى اجتماع مهم، جمع فيه كل أركان حربه وكل موظفيه وعماله، وتحلّق القوم في القاعة الكبيرة الوثيرة مكيفة الهواء، وأُعدت منضدة الرئاسة اعداداً جيداً للرئيس الجديد الشاب النشط والذي يفيض حيوية. تربع ود الحبوب على الكرسي الفاخر الذي يدور يميناً ويساراً كتائه في صحراء العدم. نظر صاحبنا يمينه فوجد كبار المعلمين ورجال التربية ويساره كبار المهندسين والأطباء، ثم نظر الى أعلى فوجد كبار رجال الاعلام والصحافة، ثم أعاد البصر كرتين فوجد فرسان الحل والعقد من رجال الشرطة ورؤساء اللجان وزعماء العشائر والمشايخ ورؤساء الغرف التجارية وغيرهم. نهض ود الحبوب للحديث: سمى الله وحمده ثم صلى على نبيه الكريم ثم قال متسائلاً: يا ناس أنا رئيس هذا الاجتماع؟ فأجاب الجميع: نعم يعني هسع أنا الداير أحلها أحلها والداير أربطها أربطها؟ قال الجميع: نعم فقال على الفور: على الطلاق جاطت .. جاطت ثم جاطت… انتهت القصة ولكن من أين لنا العبرة وكيف سبيل الخروج من الجوطة.