ابراهيم بخيت [email protected] اوائل الثمانينات وفى عهد المقبورين انور السادات فى مصر وجعفر نميرى فى السودان كانت قوات المارينز تبرطع فى ساحات وسموات كامل وادى النيل من نيمولى الى الاسكندرية .و كانت العمارة الكويتية فى الخرطوم قد اخليت من كل ما هو سودانى لتكون مقرا لهذه القوات المارينزية ،التى كانت تشارك فى كل ما يخص حياة السودانيين والمصريين. واذكر اننى كنت حينها فى الاسكندرية اجلس فى احد مقاهى شاطئ البحرمساءا ،وفجأة رسى على الضفة قارب ضخم نزلت منه مجموعة من عناصر هذه القوات من اصحاب البشرة السوداء التى كانت تشارك فى ما يسمى مناورات النجم الساطع .وما إن رآهم المصريون الجالسون على ذات المقهى حتى هرولوا هربا ،ومن بقى منهم انهالت عليه تلك العناصر بالضرب والقوا بهم خارج المقهى. ولأن لونى وشكلى لا يشبه المصريين فقد تجاهلونى .وحينها قلت لنفسى كيف يرضى أى حاكم ان يهين الاجانب على اى صورة جاءوا ابناء وطنه. هذه الصورة البغيض لقوات المارينز وانتهاكها للسيادة الوطنية لم تبرح مخيلتى ابدا . وزاد عليها اننى عندما عدت للسودان و بينما اقود عربتى المتهالكة فى شارع الجامعة فجأة اعترضت طريقى احد تلك العربات المارينزية بصورة كادت ان تؤدى لحادث حركة مريع . وكانت تقودها احد المجندات وعندما احتججت عليها صرخت فى وجهى “اغلق فمك العريض ” shut your big mouth” ولكم ان تتخيلوا مدى المهانة التى احتوتنى من “صوف راسى لى كرعييا ” وبصورة هوجاء طاردتها حتى دخلت “حوش” الاتحاد الاشتراكى حيث منعنى حماتها من ازلام النظام “فش غبينتى” اقول هذا استشهادا بانى سودانى يحق لى ان احكى مرارتى الشخصية على اى تدخل اجنبى يضايقنى فى معاشى و مسارى و يتدخل فى شئون حياتى السياسية و المعاشية والامنية و يحط من قدرى فى ارض بلادى . فما بالك اذا كانت هذه المهانة هى احساس جماعى لكل اهل السودان . وهنا يحق لأي منهم ان يسأل كيف يرضى اى حاكم سودانى ان يفتح ابواب بلاده للاجانب المدججين بالسلاح ليدوسوا على ترابه و على رؤوس مواطنيه وفى مقدوره درء اذاهم بمعالجات وطنية تسودها روح الاثرة والوطنية. من قبل وقفت شخصيا فى العديد من مقالاتى متفقا مع القيادة السياسية الحاكمة باسم الانقاذ وتحت سيطرة حزب المؤتمر الوطنى عندما رفضتتلك القيادات بصورة حاسمة “إعلاميا” قبول دخول القوات الاجنبية .وكنت اظن ان هذا الرفض مؤسس على قناعة بان كل الاسباب التى تدفع لدخول هذه القوات عند الرافضين حلولها داخليا .وقد عقدوا العزم على ذلك فداءا للوطن من الدوس بالاحذية الاجنبية .ولكن “يا فرحة ما تمتش” فدخلت القوات تحت مسمى آخر هو القوات الهجين او العجين فى بعض الروايات .وهى لم تختلف لا فى الشكل ولا العدد ولا الاهداف عن كونها اجنبيةسواء أطعمت بقوات افريقية او من جزر الواق واق .كما انها لم تنجز اى قدر مما جاءت لإنجازه .وفشلت القيادة السياسية فى الوصول الى اى درجة من درجات سلم السلام فى دارفور. وعجزت عن تحجيم افعال تلك القوات الاجنبية المخالفة وتكاثرت بعد ذلك اعداد هذه القوات الاجنبيةحتى جلعت لنفسها مناطق نفوذ فى الولايات والمحليات واستحلت وجودها المخملى واسترخت لدرجة انها نسيت عسكريتها ،واصبحت صيدا سهلا لكل حامل عكاز او سكين او بندقية . وإذا عجزت القيادات السياسية عن حماية تربة الوطن و سلامه فهل فى مقدورها وقد انحنت لدخول القوات الاجنبية وتجملت بانها قوات هجين أن تمنع دخول وقوات مشاة البحرية الأمريكية (United States Marine Corps) أو ما يعرف بالمارينز . وإذا كان ما نقلته جريدة المجهر عن ان مسئولا امريكيا قال إن فريقا من هذه القوات سيتجه الى السودان لحماية الدبلوماسيين الامريكيين فى السفارة الامريكية فى الخرطوم صحيحا ،فإن تاريخ علاقة الخرطوم بواشنطن وبالدول الغربية عموما ، لا يشجع على الاستمرار فى تحمل تبعات الرفض . ولهذا بدى واضحا ان الادارة الامريكية تنطلق فى تعاملاتها مع نظام الانقاذ من مركز قوة فهى التى تحدد ما تريد وتتصرف بموجبه وما على الاخرين الا الرفض الاعلامى .ثم القبول المذعن على الواقع كما حدث مرارا و تكرارا .ولهذا وكما جاء فى خبر جريدة المجهر ،فان الامريكان قد بدأوا فى ارسال هذه القوات وهى الان فى طريقها للوصول ، و إستعدادا لمواجهة اية عقبات أمرت افراد عائلات دبلوماسييها وموظفيها غير الأساسيين بمغادرة سفارتها فى الخرطوم بسبب مخاوف امنية في اعقاب موجة من الاحتجاجات المعادية لأمريكا. كما انها اصدرت تحذيرا موازيا للمواطنين الأمريكيين من السفر للسودان .وعلى الرغم من ان وزير الخارجية اعتذرعن إستقبال هذه القوات الا انه يبقى اعتذار وليس رفضا مبررا الاعتذار كما جاء على لسان المتحث باسم الخارجية بالتأكيد على “قدرة السودان علي حماية البعثات الدبلوماسية الموجودة في الخرطوم والتزام الدولة بحماية ضيوفها من منسوبي البعثات الدبلوماسية” ولكن بحسابات الدول الغربية و الامريكان ان هذه القدرة غير متحققة بدليل ما حدث اخيرا فى السفارة الالمانية و البريطانية وكان فى طريقه للامريكية .البراغماتية الانقاذية تقول بان هذا الاعتذار المعلن وراءه خبية يمكن للامريكان و الغربيين دفع ثمنها ولكنهم سوف يجنون ارباحا طائلة من تواجدهم على ارض الخرطوم وسوح الوطن.وتعود الاستعمار بثوب جديد بعد ان تكون القادات السياسية الانقاذية فى مأمنها المتفق عليه بين تلافيف الرفض المعلن والقبول المذعن. والدليل على ذلك ان كل تلك الجماهير الهادرة التى اعلنت احتجاجها على الفيلم المسيئ للرسول الكريم لم يفتح الله عليها حتى باعلان مكتوب او منشور يوزع فى المساجد رافضا لدخول المارينز او مؤيدا لاعتذار الخارجية السودانية