واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    عيساوي: البيضة والحجر    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    ماذا قال دكتور جبريل إبراهيم عن مشاركته في مؤتمر مجموعة بنك التنمية الإسلامي بالرياض؟    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    الصليب الأحمر الدولي يعلن مقتل اثنين من سائقيه وإصابة ثلاثة من موظفيه في السودان    انجاز حققته السباحة السودانية فى البطولة الافريقية للكبار فى انغولا – صور    والي الخرطوم يصدر أمر طواريء رقم (2) بتكوين الخلية الامنية    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالفيديو.. في مشهد خطف القلوب.. سيارة المواصلات الشهيرة في أم درمان (مريم الشجاعة) تباشر عملها وسط زفة كبيرة واحتفالات من المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الغني إدريس يكتب عن صدام الأجيال في المؤتمر الوطني وأصوات الإصلاح في الجيش
نشر في حريات يوم 17 - 01 - 2013

عام على مسيرة الإصلاح : صدام الأجيال وأصوات الإصلاح في الجيش (2)
عبد الغني أحمد إدريس
ذكرنا أن الحراك الشبابي للمطالبة بالإصلاح في الحزب بدأ يرتفع بوتيرة متزايدة خاصة بعد انفصال جنوب السودان وانكشاف حالة اللاوعي بمخاطر ما بعد الانفصال مع اضطراب في التوصيف والتباين في النظر إلى ذلك داخل كابينة القيادة فكل مجموعة شبابية تلتقي بقيادي في الحزب أو الدولة أو الحركة تسمع كلاماً مغايراً وربما مناقضاً لما سمعه آخرون من غيره، جاء متزامناً مع هذا ومتصل به تردي الوضع الاقتصادي والذي كان أبرز مؤشر لقراءته هو حالة التضعضع المتصاعدة للعملة الوطنية وغير بعيد عن هذا اشتعال ثورات الربيع العربي التي اجتاحت دول الإقليم وقادت إلى جملة من المتغيرات في المشهد، فكانت أن خرجت للرأي العام مذكرة الألف أخ التي وقعها ألف من شباب الجيل الجديد، والتي كانت بمثابة رأس جبل الجليد أو الشجر الذي يسير لكل عينين تريان بطريقة زرقاء اليمامة، فقد كانت القاعدة التي يرتكز عليها هذا السنام تضرب في أقصى العمق البعيد تتواصل بين أجيال الحركة في كل مؤسساتها النظامية والأهلية والرسمية ولم تكن القوات المسلحة بعيدة عن هذا، فقد كان الجيش كما يوصف في الموسوعات العلمية الحديثة هو “مؤسسة تقود الحديث والسبق والمبادرة” وليس بالمفهوم الذي تفرضه قيادته القائمة الآن بأنه مؤسسة “حلْب وصرْ”، كانت أصوات الإصلاح في الجيش هي المبادِرة – بكسر الدال- والسابق الهادي إلى ما تقوله “إذ القول قبل القائلين مقول”، فقد عبرت مذكرتهم التي مهروها إلى القائد الأعلى في اكتوبر 2010 قبيل الانفصال بأشهر أشبه بجرس إنذار مبكر إلى المخاطر التي تُحدق بالوطن بجنوبه وشماله حتي تلك اللحظة، وكما يلاحظ القارئ فقد سبقت مذكرة شباب الحزب بما يزيد على العام، وإن كانت متطابقة معها في المطالب فيما عدا مسألة انفصال الجنوب التي كان الوقت قد تجاوزها، والتي كان رأي الضباط فيها واضحاً بضرورة تحقيق مطالب وشروط بعينها قبل السماح للاستفتاء بأن يتم. على أن الأمر بذاته لا ينفصل ولا يجوز أخذه في سياق مبتسر فالأحداث التي انتهت إلى اعتقالات نوفمبر الماضي ليست منعزلة عن النهاية المأساوية لسيزيف الحركة الإسلامية ومؤتمرها الذي انتهى بتزوير إرادة الحضور وفرض وصاية بابوية على الحركة والحزب صارت شديدة الوطأة على الجميع، فهل يستطيع مشروع الإصلاح أن يفلت من براثن التحكيميين هؤلاء ويكسر الطوق الذي بدا وكانه محكم من بؤرة الفساد داخل الحزب والدولة.
الحراك الإصلاحي داخل الجيش:
تعتبر الحالة الأبرز لأزمة الرؤية والقيادة في الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني متجلية في معالجة قضية الإصلاح وحراك الشباب، خاصة في مأزق القيادة الحالي التي زجوا فيها ضباط الجيش مع بعض أعضاء بارزين في الحزب لا تستسيغهم سكرتاريات القيادة في مهزلة ما أسمته الحكومة المحاولة التخريبية وهذه القضية تستدعي شئ من التفاصيل بالنظر إليها بالتدقيق، والتمعن في السياق الذي تأتي فيه جملة وليس تبعيضاً. ولنقرأ التوقيت لأنه مهم لفهم السياق، فقد انفض سامر المؤتمر العام للحركة الإسلامية في الثامن عشر من نوفمبر ثم اوقفت السلطات في مساء الحادي والعشرين من شهر نوفمبر عدد ثلاثة عشر شخصاً (سبعة منهم ضباط بالقوات المسلحة، وثلاثة ضباط بجهاز الأمن والمخابرات، واثنين من المدنيين، وعضو بالبرلمان) هذا قبل أن يرتفع العدد إلى بضع وعشرين الآن وقبل النظر إلى الرتب العسكرية وتنوعها وتوزعها يجب أولاً التمعن في الأسماء وبداية بالعسكريين:
1/ العميد محمد ابراهيم عبد الجليل.
2/العقيد الشيخ عثمان الشيخ.
3/ العقيد فتح الرحيم عبد الله سليمان.
4/ العقيد محمد زاكي الدين.
5/ المقدم مصطفي ممتاز.
6/ المقدم محمود صالح.
7/ الرائد حسن عبد الرحيم.
ثم اضيفت إليهم مجموعة جديدة من ضباط القوات المسلحة أبرزهم العقيد الطيب السيد ود بدر قائد عمليات كابويتا التي قضى سنوات محاصراً فيها هو وبقية زملائه وحالوا دون دخول الخوارج لها.
ولاعطاء نبذة مختصرة للقراء فإن قائد المجموعة العميد محمد ابراهيم وهو قائد عسكري بكل المعايير المهنية ظل يخوض معارك متصلة لأكثر من خمسة وعشرين عاماً (منذ معركة الكرمك 1987 التي شهدها وهو برتبة الملازم وحتى معركة هجليج الأخيرة ابريل 2012م، مروراً بمعارك صيف العبور 1992م والأمطار الغزيرة التي عُرفت باسم الغزو اليوغندي 1995م وما يطلق عليه العسكريون في السودان العدوان الثلاثي في العام 1997م ومعارك تأمين البترول 1999 وحتى 2003م مع طول إقامة بمناطق العمليات في الفترات بين هذه التواريخ وسجل ناصع لاستخدامه تكتيكات وقدرات عالية مع شجاعة منقطعة النظير جعلت الدولة تقلده أرفع الأوسمة منها وسام الشجاعة من الطبقة الأولى) اختير ليكون مسئولاً لتأمين الرئيس إلا أنه كان يتطوع للعمليات لفترات الحرب فكان متقطع الإقامة بالخرطوم، أما على صعيد العمل الخارجي فقد شارك ضمن قوات حفظ السلام وأسهم في تنصيب رئيسين في القارة الأفريقية ونال شهادة من الأمم المتحدة في هذا المجال، اعترض كتابة وبالرأي على اتفاق الترتيبات الأمنية الذي جعل القوات المسلحة تنسحب من الجنوب وتتخلى عن مسئولياتها وحلفائها ووصف هذا الموقف بغير الأخلاقي وغير القانوني في مواجهة مع قادة الجيش والقائد العام في العام 2003، وفي العام 2004 كان يرفض تنفيذ الانسحاب وتفكيك المليشيات الجنوبية مما حدا بالقيادة لنقله ملحقاً عسكريا في نيروبي وقد عبّر الرئيس البشير عن اعجابه الشديد به عدة مرات، وكانت ترد إليه تقارير منتظمة ربما كان دافعها الحسد والغيرة من بعض زملائه وطلب باحالته للتقاعد وفي احدى المرات علّق الرئيس لشخص مقرب منه قائلاً “هذا ضابط يجب أن يصير إلى المعاش برتبة فريق وليس الآن”، كانت له اتصالات تفيد بأن الذين يتصارعون الآن لوراثة الرئيس يجب رفض موقفهم هذا وعدم الاستسلام لكافة الأصوات التي تدعوهم للركون لتصفية الموقف.
وإن كنا قد استرسلنا في الحديث عن قائد هذه المجموعة فلا يتسع المجال ولا الوقت في الحديث عن البقية بطريقة مفصلة ونعد القراء باصدار مصنف كامل في هذا الصدد حتى يتسنى لأبناء السودان بغرائزهم الناصعة أن يميزوا الخبيث من الطيب والصالح من الطالح في مكونات الحركة التي تجثم على صدورهم منذ نيف وعشرين عاماً وباتت بسبب من تصرفات قطاعها المتنفذ تنفّر الناس ليس من الإسلامي السياسي كما يُسمى بل من الدين الإسلامي نفسه، ولا همّ لهؤلاء غير البقاء في السلطة ولو على رقاب الناس أو اشلائهم وجثثهم، وكما يقول المثل العامي الشر يعم والخير يخص فإن شرور هؤلاء المتنفذين قد جعلت السمت العام لكل العضوية أشبه بالمتواطئين معها أو المتشبهين بها، وتلك ليست الحقيقة فقد ظلت القاعدة الأبرز والكتلة الأكبر من عضوية الحركة والحزب ترفض بطريقة قاطعة كل أشكال وأصناف الفساد وتركل كل المفسدين وتظل تدافع عن مشروعها الفكري النقي وحلمها في المبادرة بمشروع نهضوي وطني يتساوى فيه الناس، من هذا الرحم النظيف خرج هؤلاء “الرجال” الذين يرسفون في القيود اليوم وبهذه المعاني السنية جاءت مواقفهم متسقة مع تاريخهم وسجلهم الطويل فلم تشهد المناطق التي خدموا بها غير اشاعة أنوار الحق والعدل بين جنودهم وضباطهم ومنسوبيهم وعامة المواطنين الذين شاءت لهم مقادير العلي الجليل أن يكونوا من حولهم في مناطق خدمتهم، وسنتعرض هنا لبعض من سيرتهم كما ذكرنا وإن كان أي منهم لا يقل عن قائدهم – الذي ارتضوه وليس ذلك الذي فرض عليهم – عطاءً وتجرداً وبزلاً فيما خاضوه من معارك أو تولوه من قيادات ومسئوليات وإن كان هو يفوقهم بفضل السن والفرص التي اتيحت له.
نذكر أولا العقيد الشيخ عثمان هو خريج الكلية الحربية الدفعة (38) من الضباط الذين كان لهم سجل ناصع من البطولة والفداء في معارك جنوب السودان في المنطقة الاستوائية، والعقيد فتح الرحيم عبد الله سليمان لا يعرف كثير من الناس أن علمياته التي قام بها لتأمين الحدود في مناطق شرق تشاد وغرب دارفور تدرس على مستوى أوربا كيف استطاع “ضابط افريقي عادي” كما وصفته أوراقهم أن يقوم بتأمين حدود تتجاوز الالف وسبعمائة كيلو متر يعيش فيها قرابة الاثنين مليون نسمة تطل على ست دول وبها قرابة المائة ألف مقاتل (من الأطراف المتخاصمة جميعها) والناتو يقوم بحرب على مستوى دول فيها (يقصدون المعارك التي سقط فيها نظام القذافي) وبامكانات محلية شحيحه للغاية يستطيع هذا الضابط أن يفرض الأمن بل وأن يشيد مشاريعاً للتنمية والاستقرار لمواطنيه، في حين يعجز التحالف الدولي مع كل الامكانات المهولة التي يمتلكها ويسخرها لفرض الأمن والاستقرار في شريط الحدود المتاخم لافغانستان وباكستان مع توفر ظروف مثالية لذلك، وكل من يريد المزيد عليه مراجعة مواقع المركزين على شبكة الانترنت، في مركز روزي ) Royal United Service Institute) في لندن التابع لوزارة الدفاع البريطانية والذي تأسس منذ العام 1839 ووضع كل سياسات الاستعمار للامبراطورية البريطانية وترأس ملكة بريطانيا مجلس امنائه، ومركز التدخل في باريس (The Centre for the Study of Interventionism, Paris ) العقيد محمد زاكي الدين رغم أنه لم يوقع على مذكرة الجيش المشار إليها الا أن له جملة مواقف شجاعة وقوية كان أبرزها المواجهة القوية التي قام بها مع وزير الدفاع عند اجتماعه بضباط من المدرعات بمواجهته بطريقة واضحة بوثائق تكشف فساداً في شراء آليات كانت في الحقيقة عبارة عن خردة وضاعت بسببها مواقعاً وأرواحاً في مناطق العمليات وعوضاً عن مسائلة المتسبب الأساسي في الكارثة وهو من قام بعملية الشراء هذه، طلب الوزير محاسبة قائد السلاح !! حينها أخرج محمد وثائقه من الدولة المصدرة وقال للوزير من اشترى هذه القطع يجب أن يحاكم بالخيانة العظمى لأنه كان يعلم أن هذه الآليات ليست صالحة للعمل، حينها سقط الوزير مغشياً عليه واصيب بنوبة قلبية أمام الحضور، الشخص الثاني المقدم مصطفي ممتاز قائد حامية كنانة ورغم أنه جيئ به إلى الخرطوم مخفوراً إلا أنه كان مرفوع الرأس في شمم كالجبال يذكر كل من رآه بالشهيد البطل الأمير عثمان دقنة عندما أسره مغول عصره وهو من الذين ظلوا منذ تخرجهم ولأكثر من خمسة عشر عاماً يتنقل بين مناطق العمليات المختلفة دون أن يمنح فرصة لالتقاط انفاسه مثل محظيي القيادة، الضابط الأصغر في هذه القائمة الشريفة هو الرائد حسن عبد الرحيم وهو الذي نقل لمناطق العمليات فور تخرجه حيث شارك في عمليات تأمين البترول في أعالي النيل وعداريل وبالرغم من حداثة رتبته إلا أنه بسبب من كفاءته واجادته لعدة لغات كذلك وأعماله البطولية التي قام بها هناك انتدب للعمل مع الأمم المتحدة في يوغندا وكينيا واثيويبا كما نال دوارت بالسويد في مهام حفظ السلام، الملاحظة الأولى التي تتحدر من هذا السرد أن هؤلاء الشباب في مجموعهم لهم سجل وطني ومهني عالي النقاء، وكانوا أشبه بالمنارات بين أقرانهم مما جر عليهم الكثير من الحسد والتدابر بين لداتهم رغم المحبة والتواضع وغيرها من كريم الأخلاق التي يتحلون بها ويلاحظها كل من التقاهم أو تعرف عليهم ولو في صدفة عابرة أبرزها ايمانهم المطلق بتوحيد الله ومداومة بعضهم على الأوراد الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة ومنها مأثورات الإمام الشهيد التي يقومون بتلاوتها في السلم والحرب وتلقينها لأطفالهم وذراريهم كل ذلك نعلمه ونشهد عليه ويشهد الالآف وربما عشرات الالاف معنا ومع ذلك يتحدث بعض الناس ويطعن في نقائهم ولنا في هذا عودة، ثانياً لهم تجرد شديد للمشروع الوطني الذي آمنوا به وشجاعة على انفاذ هذا الإيمان وقد عبرو عن ذلك بتوقيعهم باسمائهم الكاملة ورتبهم ومواقع خدمتهم في مذكرة الجيش الشهيرة التي أشرنا إليها وليس الاكتفاء بالتوقيع بالأحرف الأولى كما فعل بعضهم، الملاحظة الثالثة أنهم يمثلون كل أقاليم السودان بتنوعه الجهوي والجغرافي، وإن كان نائب رئيس الحزب يتحدث عن العدالة فلم لم يوضح لماذا لم يتم القبض على الثلاثة ضباط الآخرين من دارفور والشرق وقد وردت اسماءهم بالافادات، فهل هو لعدم توسيع الدائرة كما ذكر هو في تنويره أم خوفاً من ردة فعل قبائلهم التي لها قوات وتستطيع أن تحررهم كما فعلت بمحتجزي المحكمة من قبل ولنا في ذلك عودة في جزء قادم، الأمر الأخير وهو بالغ الحساسية كل هؤلاء الضباط وغيرهم آخرون بلا أدنى شك لم تتلوث أياديهم بالمال العام ولم يجد المحققون بعد قرابة الثلاثة أشهر الآن ما يفيد بأي مخالفات مالية في دفاترهم رغم الميزانيات الضخمة التي كانت تحت اياديهم، على عكس بعض المحققين أنفسهم، وعندما أعلن البنك المركزي أنه سيضع يده على حساباتهم الشخصية تذكرت المثل المصري العامي ( وايش ياخد الريح من البلاط) فقد كان يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لا يسألون الناس الحافاً، أشبه بأهل الصفة من صحبة النبي، فالذين يعرفونهم حق المعرفة يشهدون لهم، وقد روى بعض من عايشوا الأحداث أن كثيراً من أسرهم في اليوم التالي للإعتقال كانت تكابد في مصروف المدرسة لأبناء وأطفال هؤلاء، ومع ذلك يصر أبواق النظام على أنهم أخذوا أموالاً من فلان وعلان، وتلك لعمري أشبه بقول العرب (رمتني بدائها وانسلت)، فميزانية إجلاس التلاميذ وعلاج المرضى والتي نراها ونعرف إلى أين تذهب ويمكن كشفها للناس خليق بمن يفعل ذلك في أدنى فطنة ألا يرمي أهل العفة والشرف بالبهتان. فلو أراد هؤلاء منا أن نكشف كم من الأموال التي يأخذونها أفراداً ووحداناً من أنظمة عربية وغير عربية والله لفعلنا وبالوثائق ولو أرادونا أن نتحدث عن الفكي ابو جدادة، فيمكننا أن نتحدث عن الدجاجلة على كثرتهم الذين تبعث لهم طائرات رئاسية تقلهم من غرب ووسط أفريقيا وبعضهم يصدر إلى دول عربية وخليجية وبأوراق رسمية وتحت سمع وبصر القيادات وبل أدهى وامر من ذلك سُمّي دجالون مشهورون أعضاء في مؤسسات رسمية في الدولة ومنحوا ألقاباً رسمية وميداليات وأوسمة وانواط وجوازات سفر دبلوماسية خاصة لهم ولأسرهم، كان أجدر بها الطيب السيد وفتح الرحيم والشيخ عثمان، هل تم هذا دون اخذ اموال منهم ولشخصيات رسمية تتسنم الوزارات وتجثم على صدور الخلق ؟؟ الاقل تعقلا من هذا هو عدم جرنا إلى معارك تشمت بنا الأعداء كما نطق بالحكمة سيدنا هارون لأخيه عليهما السلام، أن الفرعون العاري من أي قطعة تستره والذي بيته من زجاج عليه أن لا يحاضر الناس في أهمية الستر وفضل اسبال الثوب، نقول هذا وفي الجعبة والكنانة ما يكفي لردع كل من يريد أن ينقل المعركة إلى تشهير وهجوم لن نجني منه كحركة وحزب غير قبض الريح ويكفيهم ما فعلوه بجنوب السودان ففيه أعظم درس مستفاد في عملية قبض الريح رغم مجهود “فريق الفكي” الذي جئ به من اقصى القارة ليقرأ على عينات من تراب الجنوب ويمنع بها الانفصال.
الأمر الذي نريد الإشارة إليه وهو مسألة فنية بحته يجب التوقف عندها وهي الرتب العسكرية التي يحملها هؤلاء القادة فأحدهم برتبة لواء والقائد السياسي للمجموعة برتبة عميد ومعه أربعة ضباط برتبة عقيد وثلاثة برتبة المقدم واخر برتبة رائد. وكما هو معلوم لكل مراقب عسكري يفقه في ألف باء هذا العمل، أن هذه الرتب تشير إلى عشرات ان لم نقل مئات الرتب الأخرى – من ضباط إلى ضباط صف وجنود- فالعميد يقود قوة برتبة لواء يكون تحته على الأقل مائة وعشرين ضابطاً بحسب دائرة المعارف البريطانية والتي تعتمد التشكيل الهرمي لجيشهم الذي كان جيشنا فرعاً منه، وعلي ذلك فقس، طبعاً ليس بالضرورة أن كل من يقع تحت قيادتهم يشاركهم روح التمرد هذه ولكنه يعيش ذات الظروف المهنية والاقتصادية والاجتماعية وربما بصورة أشد.
الفعل ورد الفعل:
بدأت قصة الصراع بين هذه الثلة الخيرة من أبناء المؤسسة العسكرية عندما بدأت تتواتر إليهم معلومات عن التنافس المحموم بين نواب رئيس الحزب (نائبه لشئون الجهاز التنفيذي والثاني نائبه لشئون الحزب) وحالة الاستقطاب الناشئة داخل قيادة الجيش بينهما وكل من السيدين يحاول أن يرتب أوراقه وينظم معسكره تحسباً لأي طارئ أو أخبار منتظرة من مستشفى الملك فهد بالرياض، طبعاً هذا الكلام أذى أهل الوجعة من أبناء المؤسسة العسكرية لأنها إن صدقت مثل هذه المعلومات فإن تحالف إنتهازي سيطرأ على السلطة وغير بعيد ويجعل الاولقارشي التي تتجذر في المال والعمل السياسي تصعد إلى أعلى سلم القيادة في حالة الفراغ الناشئ الذي قد يخلفه اختفاء البشير عن المسرح وهو ما أشار اليه السيد نافع بقوله أن شعبية الرئيس البشير لا يمكن القفز فوقها، وهو رأس المال الذي ظل يستثمره طوال العشر سنوات الماضية دون أن يدخر شيئاً لنفسه والآن إذا طرأ ما يجعل غريمه نائب الرئيس لشئون الجهاز التنفيذي يكون في مقام الرجل الأول فعلى الأقل يجب ألا يكون هذا الصعود سلساً بحيث يمكن أن تجري عراقيل تجعل عليه من المستحيل الإنفراد بالأمر دون اشراك الأخيرين إلا أن العقدة المتبدية أمام الاثنين هي الجيش وكيفية السيطرة عليه أو تحييده إن لم يكن كسبه أو تحجيم قدرة الطرف الآخر.
ومعروفة علاقة الرجلين أو اللوبيين ( فلكل عناصر تدور في فلكه)، واتصالاتهما بعناصر في هيئة القيادة بل وقد دفع احدهما أحد “الكبار” إلى الاتصال بالأجانب وتوصيل رسائل.
هذه المعلومات كانت تتداول في الخرطوم وتتناقلها دهاليز السياسة وترددها بقوة خاصة في الأسبوع الثاني والثالث من شهر نوفمبر ولم يخفض من صوتها إلا انشغال المسرح بمؤتمر الحركة الذي كان أحد محفزات الترقب والمتابعة عن كثب، فكانت له اتصالات هؤلاء النفر من الضباط تفيد بأن الذين يتصارعون الآن لوراثة الرئيس يجب رفض موقفهم هذا والاستعداد لتصفية الموقف. بل والتصدي لهم إن لزم الأمر لأن لا خير للوطن في استمرارهم على الطريقة القديمة فأحدهما غارق في تسليم البلاد للأجانب حتى آخر ذرة تراب فيها والآخر لا علاقة له بالسياسة ولا يمسك بشئ من أسبابها الا كما يمسك الماء الغرابيل.
ولأن القيادة السياسية تصرف من الوقت والجهد والمال على التحسس والتجسس والتنصت أكثر من إنفاقها على الفكر والرأي والتدبر والمشاورة وغيرها من أدوات العمل السياسي الاحترافي وأساليب الاحاطة بالعضوية والمناصرين من منسوبي الحزب بطريقة “حضارية ومتمدنة”، فقد كانت تدعي أنه ما من نجوى ثلاثة إلا وموصل جيد من عندها رابعهم أو خمسة بسادسهم الخ، فباع حسن صاحب الرمد إخوانه كما باع مغبش من قبله إخوانه بثمن بخس دراهم معدودات لن تغني عنه لحظة الحساب في هذه الدار قبل الدار الآخرة، تقبل الله الشهيد كعبول”، وحكم هؤلاء قطعاً لن يترك للتاريخ بل سيكون قصاصاً عادلاً يأتي وقته قريباً بإذن الله، ولن يكون مزبلة التاريخ بل سيتمني أحدهم ذلك الف مرة وسنعود إليهما لاحقاً .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.