مسامرات محمد إبراهيم الحاج التعصّب.. { أحداث سياسية ورياضية وفنية ومجالات أخرى.. ثمة خيط قوي متين الأجزاء يربط بينها.. خيط مؤسف (فتل) خيوطه بحنكة على (نار) هادئة مدت ألسنتها والتهمت كثيراً مما كنا نُعرف به من (تسامح) أو هكذا خُيل لنا. { (الخيط المؤسف) الذي أعنيه هو (التعصب) ورفض الآخر الذي ساهم الإعلام غير الرشيد للأسف في إذكاء (نيرانه)، وفي تغذية روح الكراهية بشكل يدعو للاستغراب من مجتمع عُرفت عنه إجادته حياكة العلاقات الإنسانية المؤثرة بين أفراده. { نيران التعصب تبدأ (شرارة) صغيرة عبر (نكتة)، أو (مقال)، أو (موقف ساخر)، أو (إشارة غير ذكية)، أو مباراة في (كرة قدم) نجمت عنها تفلتات من (مشجع متعصب) فتمددت (ألسنة لهب) التعصب لتصير (شوطة) و(ظاهرة) شبه عامة تمد لسانها هازئة بما عرف الناس من تسامح اجتماعي وثقافي. { ديباجات جاهزة في العرف السياسي بأن ينعت السياسي الآخر الذي يخالفه الرأي ب(المرتزق) و(صاحب الأجندة الخارجية) و(العميل) و(الانتهازي)، وهي مصطلحات معبأة ببارود الفتنة الذي يشتعل عند أقرب الفرص التي تسنح له. { (التعصب) الإثني والعرقي ورفض ثقافة الآخر هو ما قاد السودان إلى أن يصبح دولتين منفصلتين، يرمق شمالها جنوبها بأعين حذرة ومتوترة، ويرى جنوبها شمالها انتهازياً ولا يحترم الآخر. { استبشر الناس خيراً بعد توقيع اتفاقية (نيفاشا) و(ظنوا) أن كل الأزمات السياسية والحروب الطويلة التي خاضتها الحكومات الشمالية مع الجنوب في طريقها إلى أن تصبح جزءاً من (التاريخ) الذي يجب أن ينسى، لكن تصريحات (صقور) الحزبين الموقعين ساهمت بقدر وافر في اتساع الهوة الثقافية والدينية التي تفصل بينهما.. أمر قبول الآخر والتعصب الذي أججته نيران الرفض كان بمثابة الشرارة التي تسربت إلى بسطاء الناس، وصار (بنو الجلدة الواحدة) أعداء يرمقون بعضهم حذراً وشكاً تأصل في العقل السوداني بشقيه الشمالي والجنوبي. { أئمة المساجد المتطرفون كان لهم قدر وافر في إذكاء نيران الكراهية لفئة مؤثرة جداً في المجتمع وهي فئة الفنانين. { لا يمر أسبوع واحد حتى يفاجئنا أحد الأئمة بتعبئة خياشيمه من الهواء و(زفره) كراهية لقبيلة الفنانين من أعلى منبره الذي يقصده كل الناس بعد أن يسكب على أسماعهم ديباجات (جاهزة) و(محفوظة) على شاكلة (فاسقين) و(فاسدين)، وأنهم السبب في تفشي (الرذيلة)، والسبب في إفساد أذواق الشباب. { نعم.. هو الرفض للآخر ما أذكى نيران التعصب لدى الشخص البسيط الذي يرى في رجل الدين القدوة الصالحة، ويرى فيه متحدثاً باسم الدين، ويرى أن ما ينطق به هو أمر من الدين لذا لم يكن غريباً أن (تكوّنت) في ذهنه فكرة سالبة تجاه أولئك الفنانين تتصاعد إلى أن تصبح (موقفاً) متعصباً ضد صناع الجمال والحق بالبلاد. { الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فحسب، لكن تعداه إلى أبعد من ذلك، إلى أن وصل التعصب حتى رجال الدين أنفسهم فكل صاحب طريقة يرى أن طريقته هي (الصاح المطلق)، وأن ما سواه لا يعدو سوى أن يكون (خارجاً عن الملة) أو (زنديقاً) وجب جز رأسه جزاءً لما اقترفه عقله في التفكير.. وأمس حملت الصحف هجوم جماعة أنصار السنة على آراء "الترابي" التي قالوا إنه أساء فيها للمنهج السلفي، ولا ينسون أن يدبجوا حديثهم بتذكير الناس (أنهم من فضلهم الله تعالى واختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وحمل أمانة الدين). { اجتماعياً يرفض الأب تقليعات الابن لأنها لا تتوافق مع ما اعتنقه من تقاليد عبر عقود طويلة، ولهذا لا يفتأ ينعته ب(قليل الأدب) و(قليل الرباية).. حتى المثقفون أنفسهم لا يجدون أوصافاً للجيل الجديد سوى نعتهم ب(المتغربين) و(المستلبين ثقافياً) دون أن يكلفوا عقولهم عناء البحث عما حشد أدمغتهم بما يرفضون