*هو شاب ممن يقال عنهم (تتمناه أي بنت).. *وتمنى بنتاً…وتمنته…وتزوجا……ورُزقا بنتاً وولداً.. *ومضت حياته هادئة هانئة وادعة… رغم الضنك والرهق والغيرة.. *فقد كانت تغار عليه حتى من ظله الذي يتبعه نهاراً.. *وتغار عليه ليلاً من خيالات في رأسها تتبعه إلى داخل أحلامه.. *ثم جاء اليوم الذي وقف فيه الظل….وما زاد.. *وتوقفت الغيرة…والخيالات…والأحلام…والدموع في أحزان عيون الناس.. *وفي عينيها تحديداً……. بعد مرير بكاء.. *وكانت رائعة الدوش (بناديها) هي عنوان مناداتها لذاكرة خرجت… ولم تعد.. *ففي صباح ذلكم اليوم استيقظ زوجها بلا ذاكرة.. *لم يعد يتذكر أي شيء…ولا أي أحد… ولا أي مكان وزمان ومعان.. *حتى هي لم يتذكرها… رغم استدعائها (كلمات سر) قديمة.. *وحار إزاء حالته شيوخ الطب…والدين…والغيب.. *وبعد مضي عام تعايشت الزوجة مع حالة ذاكرة خرجت… وابتسامة رجعت.. *وشاطرها التعايش هذا الأهل… والصحاب… والنسابة.. *وقد كان فارق التبسم… وفارقه… مذ تفرق دم حظه بين قبائل الإحن.. *فنجاحه كان أكبر من أن تتحمله أنفس الفاشلين.. *وفوق هذا النجاح المكتسب حظوظ وراثية…. لا يد له – ولا للطبيعة – فيها.. *وبسببها درجت زوجته على أن تناديه ترنماً (يا قائد الأسطول).. *ولكن قائد الأسطول تقوده زوجته الآن.. *وحيثما قادته لا تغادر البسمة شفتيه ؛ بعد أن عادت إليه…ولم تعد الذاكرة.. *فكلما تعرِّفه بشخص هو أصلاً (يعرفه)……يتبسم فقط.. *ومع التبسم هذا مفردة (أيواااااه)……ولكنها لا تعني أي شيء.. *لا تعني التذكر…ولا التفكر…ولا التبصر.. *وما يهمني في هذه القصة الحقيقية تماماً شيء واحد فقط… حسدت (بطلها) عليه.. *ولكنه حسد (بعد) المصيبة لا (قبلها)….. كحسد الآخرين.. *وهذا الشيء هو التبسم السعيد.. مع نعمة النسيان.. *فالذاكرة – في زماننا هذا – باتت مثل ذاكرات الهواتف الممتلئة…تحتاج مسحاً.. *ولكن مسح الذاكرة البشرية ليس بسهولة مسح ذاكرة الجوال.. *بل قد يحدث أمر عجيب….لم تتحسب له.. *فقد تُفاجأ بأن الذكريات السعيدة هي التي تنمحي….وتبقى التعيسة.. *ويبقى غير المرغوب فيه من الأسماء…كذلك.. *ويستعصي من ثم التبسم الصادق…ولو من باب (تبسمك في وجه أخيك صدقة).. *وتظل محاولة (رسم) بسمة على وجه حزين مفضوحة دوماً.. *فما من حل إلا أن تصحو – ذات يوم – فتجد ذاكرتك (مفلترة) بالكامل.. *ويقودك شخص من أهل البيت إلى حيث تريد.. *أو إلى حيث (لا) تريد ؛ بما أنك أصبحت خارج الزمان…والمكان… والسودان.. *وحين تصادف وجهاً كرهت كثرة (طلته) – وكلامه – لا تبالي.. *ولا تفعل – حال تعريفك به – سوى أن تتبسم.. *ثم تصيح بفرح طفولي (أيوااااه) !!.