في صبيحة الحادي عشر من أبريل في العام الماضي أستيقظ السودانين على صوت "المرشات العسكرية" التي ظل صوتها يتردد في كل وسائل الاعلام المسموعة والمشاهدة مصحوبة بحديث يقول " هنالك بيان هام من القوات المسلحة للشعب السوداني فترقبوه" بيان الجيش وقتها أصبح واضحاً للعيان بأن هنالك امر سيحدث ، وبالفعل حمل البيان الإعلان عن الإطاحة بالبشير ، وإدارة الجيش لشؤون البلاد ، بجانب تشكيل حكومة مؤقتة ، كما تم إعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر مع فرض حظر التجول في جميع المراكز الحضرية الرئيسية من الساعة 10 مساءً إلى الساعة 5 صباحًا يوميًا لمدة شهر واحد ، وقال الفريق عوض ابن عوف والذي أطاح بالبشير إن الجيش سوف يقوم بإغلاق المدينة والحكومة لمدة 24 ساعة ريثما يتم إنهاء الترتيبات الانتقالية. التجمع على الخط ما أن أعلن ابن عوف عزله للبشير حتى جاء الرد سريعاً ومباغتاً من تجمع المهنيين الذي قاد الثورة حيث اعتبر في بيان له أن ماتم من تغيير في السودان ماهو إلا انقلاب عسكري وأن التجمع سيواصل قيادة الاحتجاجات داعياً في ذات الوقت الثوار للإعتصام حتى يتم الإعلان عن حكومة مدنية كاملة الدسم ، وقال تجمع المهنيين في بيان وقتها "يجب أن يتولى المدنيون الآن السلطة من الجيش" ، ربما يكون بيان التجمع هذا هو الذي عصف بوزير الدفاع عوض ابن عوف حيث لم تمر سوى 48 ساعة من بيان التجمع حتى أعلن الرجل تنيحه من السلطة تاركاً الطريق للفريق عبدالفتاح البرهان الذي بدوره تولى رئاسة المجلس العسكري الانتقالي . نقطة السقوط من الواضح أن الاحتجاجات المستمرة واستمرت ثلاثة أشهر هي التي أطاحات بالبشير ففي الوقت الذي كانت البلاد تشهد أزمات طاحنة في معاش الناس كان تجمع المهنيين ومن خلال وسائل الاتصال الاجتماعي يحشذ الهمم ويغرس الثقة في روح الشباب المتقدة ويخبرهم بأن الوضع الاقتصادي أصبح متردياً وعليه يجب تغيير النظام ،الأمر الذي كان له الأثر الكبير في تشجيع هولاء الشباب ، الذين واصلوا تنظيم صفوفهم من أجل سقوط النظام البائد ، وبالمقابل سعت أجهزة النظام لمنع الاحتجاجات بكل الوسائل مستخدمة كل أنواع البطش والتنكيل بيد أن الشباب واجهوا الترسانات الأمنية بصدور عارية. نهاية البشير بالنسبة للكثيرين فإن السلوك القمعي الذي انتهجه النظام حفز وحرك الشباب الثائر إلى مزيد من الضغط على المخلوع وزمرته الأمر الذي نقل هذه الاحتجاجات من المحلية للعالمية حيث وجدت الاحتجاجات في السودان تعاطفاً و اهتماماً دولياً بجانب دعم نشطاء حقوق الإنسان من الخارج للشباب الهادر في السودان ،فضاقت الأرض على المخلوع بما رحبت، حيث اتخذ الرجل عدة إجراءات أبرزها إعلان حالة الطوارئ في البلاد وإقالة عدد كبير من الوزراء الذين ينتمون للحركة الإسلامية ولحزبه المؤتمر الوطني بل ذهب إلى أبعد من ذلك حيث استقال البشير من رئاسة حزب المؤتمر الوطني وأعلن إنه سيكون رئيس قومي لكل السودانيين ، كل هذه الاجراءات لم تجد قبولاً من الشارع بل كانت بمثابة حافز لمزيد من الاحتجاجات التي امتدت لتشمل كافة شرائح المجتمع حيث خرج الشباب والشيوخ والكنداكات يطلبون ويناشدون الحرية والسلام حتى استقر بهم المطاف في معقل قيادة الجيش والتي كانت نقطة البداية لسقوط البشير . يوم مختلف بالنسبة للقيادي في قوى الحرية والتغيير الطيب العباسي فإن يوم 11 أبريل يعد يوماً مختلفاً في تاريخ السودان السياسي كما أن ذات اليوم سبقته تجهيزات لإسقاط البشير وذلك عن طريق الثورة السلمية التي اتخذت من قيادة الجيش مقراً لها ، بجانب أن الثورة واجهت نظام قمعي باطش بكافة أنواع مليشياته الأمنية والتي كانت عبارة عن ترسانة بشرية مسلحة بعتاد عسكري واجهت الثورة ، لكن بالرغم من ذلك فإن سلاح السلمية التي انتهجته الثورة كان تياراً صامداً وجارفاً لإعتى الأنظمة الدكتاتورية ، ويرى العباسي أن مكونات الحرية والتغيير في ذاك اليوم أبلت بلاء حسناً حيث قادت الثورة بنوع من العمل البطولي بجانب أنها سجلت موقف تاريخي بإنهاء ذلك النظام الباطش الأمر الذي أكد أن الشعب السوداني قوي وصابراً في مواجهة كل هذه الترسنات الأمنية بشجاعة وبسالة . ثورة عظيمة ووصف العباسي يوم 11أبريل باليوم البطولي كما قال إن الثورة السودانية تعد من أعظم الثورات التاريخية التي مرت على العالم حيث وجدت شهادات تاريخية من كافة المجتمعات الدولية واعتبر العباسي سقوط البشير هو ثورة أولى بيد أن الثورة الثانية هي تحقيق العدالة ورد الأموال المنهوبة وتنفيذ القصاص للذين مهروا دمائهم الغالية لهذه الثورة ، ويمضي العباسي قائلا ، إن الثورة لم تحقق بفضل كيان سياسي واحد وإنما تحققت بفضل مكونات قوى التغيير والتي اتحدت تحت شعار واحد هو "تسقط بس" ، لذلك فإن الانتصار للشعب السوداني ولا لكيان بوحده . سقوط مفاجئ نائب رئيس حزب الأمة اللواء فضل الله برمة ناصر اعتبر سقوط البشير بمثابة الحلم للشعب السوداني لجهة إنه لم يكن متوقعاً لهم سقوط الطاغية بهذه الطريقة لاسيما وأن حكمه اتسم بالقمع والبطش ، وأكد ناصر أن سقوط البشير يؤكد بأن هنالك إرادة وعزيمة قوية للشعب السوداني ضد الطواغيت ، وارجع نائب حزب الأمة سقوط البشير إلى الدور الذي لعبه الشباب والكنداكات حيث ظل نضالهم متقداً ومستمراً منذ 19 ديسمبر و حتى 11 أبريل ، وهنا يقول ناصر إن الثورة السودانية كانت أفضل من رصيفاتها ويستدل بإستمراريتها رغم التحديات ، حيث كان الشباب يخرج كل يوم في الشوارع وهو الأمر الذي كان يختلف عن الثورة الجزائرية حينها حيث كان الشباب هناك يخرجون يوم في الأسبوع . روح الكنداكات وقال نائب رئيس حزب الأمة ، إن المرأة السودانية كان لها الدور الأكبر في سقوط هذا النظام ، مؤكداً بأنهم كعسكر يستمدون روحهم منها ، بجانب أن ذات الروح كانت تشكل جسد الثورة المتقد ، وشدد برمة على ضرورة الحفاظ على موقف القوات المسلحة التاريخي والبطولي والتي ظلت طوال مسيرتها تنحاز للشعب السوداني وزاد ، "عندما قال البشير يجب قتل الثلثين من المعتصمين في القيادة هنالك رجال من الجيش قالو له لا " و أوصى ناصر بضرورة الحفاظ على الوطن ومكتسابته داعياً للتعامل بحسم تجاه المخربين له بالأسالبيب المدمرة ، وقال برمة إن مسؤلية حماية الوطن تقع على الجميع وأنه يجب أن يكون الوطن أولاً قبل كل شيء ، معتبراً الحرية والديمقراطية حق للجيمع ولايمكن استغلالها في الخراب والدمار . مطالب الثورة رئيس حزب البعث السوداني يحيى الحسين كان له تعليق مختلف عن سابقيه إذ يرى أن ماتم في 11 ابريل هو مرحلة في طريق الثورة حيث يرى الحسين أن سقوط البشير هو جزء من مطلوبات الثورة وجزء كذلك من أماني الشعب السوداني الذي كان يتطلع إلى حكم مدني خالص يقوم بترجمة وتطبيق كل أهداف الثورة والتي تعبر عن إرادة الشعب السوداني وهي هيكلة الدولة السودانية وتحقيق البديل الديمقراطي واستدرك ، لكن في النهاية التغيير الذي تم في السودان الناس رحبت به بيد أنه لم يكن من أهداف الثورة لجهة أن الشريك العسكري في السلطة لم يكن من مطالب الثورة التي توافق عليها الشعب السوداني ، وقال الحسين إن سقوط البشير هو جزء من مطالب الثورة وهم في الطريق لإكمالها سواء كان بماجاء في الوثيقة الدستورية او ما توافقوا عليه في ميثاق الحرية والتغيير . يوم حاسم من جانبه قال القيادي في الحزب الشيوعي كمال كرار إن السقوط الحقيقي للبشير كان يوم 6 ابريل لجهة أن الجماهير حينها نجحت في الوصول إلى القيادة العامة بالرغم من المتاريس والبطش الذي مارسته أجهزة نظام المخلوع البشير ، وقال كرار، إن يوم 6 أبريل كان يوماً حاسماً للقضاء على البشير وأن ذات اليوم تزامنت معه تضحيات من قبل الثوار باعتبار أنه في تلك الأيام كانت هنالك محاولات عديدة من الثورة المضادة لفض الاعتصام غير أن الثورة تماسكت وشددت وقتها على ضرورة سقوط النظام ، واعتبر كرار أن ماحدث يوم 11 ابريل انقلاب على الثورة باعتبار أن القيادة العامة تدخلت لإزاحة البشير وتمسكت بمقاليد الحكم وذلك خشية من أن تجتاح الثورة الجميع خاصة وقتها كان هنالك تململاً وسط الجنود والضباط الشرفاء داخل القيادة الداعمين للتغيير . عهد القهر ويرى المحلل السياسي عبدالله ادم خاطر أن يوم "11 ابريل" يعد من الأيام الخاصة والذي كان بين عالمين و عهدين بمعنى كان هنالك عهد الشمولية والقهر والإذلال النفسي وعهد آخر يتطلع للديمقراطية والحرية والانطلاق نحو الفكر السياسي المتنوع ، وقال خاطر كنا في العهد البائد يحكمنا نظام قائم على التبعية مع العالم على المستوى الاقتصادي والدبلوماسي لكن الان اصبحنا في ظل نظام يقوم على اعادة بناء الوطن بأسس من القاعدة الشعبية وهي الخيار الديمقراطي القائم على الحرية والنزاهة لذلك فإن يوم " 11 ابريل "كان يمثل بداية سقوط نظام كان قائم على الذل والإهانة من العالم وإعلان نظام جديد يقف على مسافة واحدة مع كل الدول ، واعتبر خاطر أن رمزية سقوط البشير لا تعني أن النظام قد سقط وإنما سقوطه خلق فضاءات جديدة متمثلة في العهدين الجديدين التي ذكرت انفا ، واضاف ، حتى الان نحن في مشارف ختام السنة الأولى لحكومة الثورة والتي تحقق فيها الكثير من الاهداف ابرزها الحكم الديمقراطي وانتهاج سياسية خارجية متوازنة وإنه مازالت الثورة في طريقها لتحقيق مزيد من النجاحات السياسية والاقتصادية ، وقطع خاطر بأن سقوط النظام لايعني أنه انتهى وتلاشى وجوده بل موجود لكن حتما لن ينتصر ويعود مرة أخرى للحكم . حتمية السقوط يقول الناطق الرسمي بإسم حزب البعث العربي الاشتراكي عادل خلف الله في مجمل إفادته إن سقوط النظام البائد لم يكن رجماً بالغيب لهم ، وانما استشراف تحليلي لطبيعة الأزمة، وتركيبة النظام، ونهجه الإقتصادي، واستناده على القمع الاقتصادي و الاجتماعي و السلطوي، الذي نجم عنه اتساع قاعدة الرفض والمعارضة الشعبية، وعزلته، وشلل دولاب أجهزتة القمعية، والتي عززت من ثقة الشعب في نفسه وفي حتمية الانتصار، التي تلخصت في (تسقط بس)، والتي أغلقت باب فرص النظام في المناوره وكسب الوقت ، كما أن سقوطه بحسب عادل يتجلى في تعميق الوعي بالازمة وبآفاق حلها، التي عبرت عنها قوى الحراك الجماهيري المتمسك بسلمية نضاله حيث إنه رغم القمع والارهاب الذي تخطي الحدود توج بالنصر في 11 ابريل بلحظة سقوط قمة الهرم ، ويمضي القيادي بحزب البعث قائلا " 11 ابريل حتمية تحققت ومدخل لقوى النضال لإحداث التغيير الشامل والواسع، لمصلحتها و مصلحة ترسيخ الدولة المدنية والتداول السلمي للسلطة، والتوزيع العادل للثروة وتنميتها". أحمد جبارة