لا يوجد أسوأ من المساواة بين الجلاد والضحية. انعقد اليوم السبت الموافق الثالث عشر من أغسطس للعام 2022م مؤتمر المائدة المستديرة ذلك المؤتمر الذي أعلن عنه الشيخ الطيب الجد حفيد البادراب بأم ضوا بان مشكورا معولا على أنه جمع تقريبا فيه كل أطراف وأطياف الشعب السوداني. حسنا فليجتمع جميع أطياف الشعب السوداني. لكن ألم يسأل أحد هؤلاء على ماذا يجتمع الشعب السوداني؟ يجتمعون على الإنشاد وقصائد الحماس وإلقاء الكلمات؟ هل الأزمة السودانية بهذه البساطة؟ ألم يعلم هؤلاء بأن السودانيين منقسمون بين قاتل ومقتول؟ ألم يعلم هؤلاء بأن السودانيين منقسمون بين سارق ومسروق؟ ألم يعلم هؤلاء أن السودانيين منقسمون بين ظالم ومظلوم؟ من أعطى هؤلاء الحق في أن يتجاوزوا هذا التقسيم؟ حسنا فليكن تم تجاوز هذا التقسيم من أجل السودان ومن أجل الوطن. فهل الذين اجتمعوا اليوم يمثلون أهل المقتولين أو أهل المسروقين أو أهل المظلومين أو أهل المفقودين؟. للأسف المبادرة اليوم لم تفعل شيئا سوى أنها أخبرت الناس بأن الخير هو في الاتفاق، وأن الخير هو في حفظ الوطن، وهل يجهل أحد هذه القيم؟ هذه القيم لم يجهلها ولم يعجز عن فهمها أحد. ما يعجز عنه الناس هو: القصاص والقصاص والقصاص. ففي القصاص سوف يأخذ المظلوم حقه، وسوف ينال الظالم عقابه، فحينئذ سيتم فعلا تجاوز المرحلة السابقة، ومن ثم الإعلان فعليا عن قيام واستشراف مرحلة جديدة، وبذلك سوف يجتمع الناس. أما الحديث عن قيم الخير والحق والفضيلة مثل ما ورد اليوم في افتتاحية المبادرة، فلن يعمل على حل الأزمة السودانية بل قد يعتبره اصحاب الحقوق تهميشا واستخفافا بهم. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يستقيم الوضع مثل ما كان قبل الإنقاذ وبعدها. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتم تسوية بين ما قبل الثورة وما بعدها. اللجان الأربعة التي تم تكوينها من قبل مبادرة شيخ الطيب الجد اليوم لا يوجد فيها أي لجنة تتعلق بالتحري في كل من قتل ونهب واغتصب. وكأن هذه اللجان تريد من الشعب السوداني أن يعتبر نفسه مصابا بفقدان الذاكرة، وذلك من أجل تطوير البلد، ومن أجل العيش في أمان. حسنا فليكن هذا الأمر ضروريا من أجل الحفاظ على الوطن. من من المظلومين والمتضررين سواء في عهد الإنقاذ أو في عهد الثورة ممن كان حاضرا في هذا المؤتمر؟ فأهل الدم هم من يعفو وليس غيرهم. وأهل المفقودين هم من يعفو وليس غيرهم. وأهل الجرحى هم من يعفو وليس غيرهم. وأهل المظلومين هم يعفو وليس غيرهم. جملة القول واختصار الحديث لا يمكن يا مبادرة إن كنت تريدين حلا للأزمة السودانية أن تساوي بين الجلاد والضحية. ولقد لاحظتم كيف أن الجلاد كان حاضرا في المبادرة ومسرورا غاية السرور بينما الضحية غائب شكلا ومضمونا. أول بوادر الصلح هي إرجاع الحقوق إلى أهلها إلا أن يعفوا. فإن أخذت هذه النقطة اليوم جل مواضيع المبادرة لكان يمكن أن تلقي حجرا في بركة حلول الأزمة السودانية. وأما أن المبادرة لم تتطرق لشيء من هذا القبيل، فقيامها وعدمه سيان.