بالطبع لا حكمة ولا ذرة عقل أو ضمير عند الصهاينة، لكن مع ذلك لا يمنع أن نستفيد منهم في بعض ما يقومون به، من باب الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها أخذ بها. فما هي تلك الحكمة أو الحكم التي يمكن الاستفادة من بني صهيون؟ لكن قبل البدء لابد من التوقف لحظة لتقديم كل تحية تقدير لجنوب أفريقيا على موقفها الشريف من أحداث غزة. الموقف الذي لم تقم به أي دولة عربية ومسلمة. حيث قدمت دعوى ضد دولة الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية، التي ستبدأ أولى جلساتها اليوم الخميس، وهي إذ تفعل ذلك، تتذكر ماضيها البائس مع نظام فصل عنصري لا يختلف النظام الصهيوني الحالي عنه. هذه الدعوى الجنوب أفريقية كان من المفترض أن تقوم بها أي دولة عربية أو مسلمة من باب أضعف الإيمان، لكن للأسف جاءت من خارج المنظومة العربية الإسلامية المتخبطة حتى نخاعها. حتى لا يضيع منا خيط الموضوع، نعود إلى حكمة الصهاينة لنواصل القول بأن ما يجري منذ بدء طوفان الأقصى وما بعده على الساحة العربية تجاه غزة ومجاهديها، هو أمر مشين ومخز، سواء كان من كثير من الحكومات والرسميين، أو من آخرين على صورة مفكرين وكتّاب وفقاعات التواصل الاجتماعي وأمثالهم، وأن ما صدر ولازال يصدر عنهم من مواقف وأقوال، لا يمكن وصفها إلا بالخذلان وربما أكثر من ذلك وأعمق، وهذا ما جعل كثيرين يطلقون لقب «صهاينة العرب» على هؤلاء، على اعتبار أن ما يقومون به من أفعال لا يختلف عن الصهاينة الحقيقيين في دولة الاحتلال. إرهاب الصهاينة ألم تلاحظ أيها القارئ كيف قامت المنظمات واللوبيات الصهيونية في أرجاء العالم، بتحريك بيادقها السياسية والفكرية والثقافية والإعلامية، لتتبع كل مخالف لتوجهاتهم ورواياتهم، وخاصة فيما يتعلق بأحداث غزة؟ ألم يتم استجواب رؤساء أبرز الجامعات الأمريكية العريقة بسبب سماحها لمسيرات مناهضة للعدوان الصهيوني على غزة، حتى تم دفع رئيسة جامعة هارفارد الأمريكية للاستقالة، بل وانهاء تاريخها العلمي بمزاعم سرقات أدبية قامت بها ! ألم تلاحظ كذلك أن تلك المنظمات واللوبيات بدأت تلاحق فنانين وممثلين ومفكرين ومؤلفين ورياضيين وغيرهم لمجرد أن يغرد أحدهم تغريدة واحدة تنتقد دولة الاحتلال، أو تدافع عن مأساة الفلسطينيين في غزة؟ ألم تلاحظ كيف انبرى صحفيون وإعلاميون في الدفاع عن الرواية الصهيونية بشراسة بالغة، وحاولوا تصوير الصهاينة على أنهم ضحايا وأبرياء، وشيطنة الطرف المظلوم الحقيقي؟ ذلكم التتبع أو الإرهاب الصهيوني لكل ناقد ومخالف لروايتهم صار له أثر يُذكر، بدليل إحجام كثيرين عن التعبير وابداء الرأي في العدوان، سياسيين كانوا أم غيرهم في كثير من المجالات، وإن كان ذلك الاحجام لا يعني استمراره، لان هناك تململاً واضحاً في مناطق واسعة من العالم تجاه الغطرسة والعنجهية الصهيونية، لا سيما العالم الغربي، الذي بدأت عنده صحوة وتنبّه لقضية بدأ هو يتساءل عنها، بل لم كل هذه السنوات الطوال غائب عنها ! هذه صحوة لابد من استثمارها، كما طالبنا في مواضع كثيرة. الصهينة العربية لكن من جانب آخر أخذت تتصاعد موجة الصهينة في عالمنا العربي تحديداً. حيث بدأت رموز متصهينة كانت الى تجنب الظهور الكاشف أقرب وإلى زمن قريب. لكن مع تصاعد العدوان الأخير على غزة، وبدلاً من أن يتخافت ويختفي صوت المتصهينين العرب، وجدناهم في جرأة بالغة يثرثرون هنا وهناك، وصاروا إلى تأييد العدوان أقرب. هذا الامر يخشى منه أن يتحول لظاهرة مجتمعية يمكن أن يُفهم خطأ أنها نوع من حرية التعبير، وهي في الواقع نوع من هدم للقيم والمعاني والمفاهيم، في وقت تتكالب الأمم علينا، وتتخلل مجتمعاتنا أفكار العلمنة والصهينة وغيرها من أفكار الإلحاد والضياع، ما يدعو إلى ضرورة وقف الصهينة في مجتمعاتنا عند حدها، الآن وقبل فوات الأوان. الحملات الشرسة المجنونة من تلك المنظمات واللوبيات الصهيونية من أجل كتم وقمع الأصوات المخالفة لروايتها ورؤاها، لابد أن تواجه بحملات مماثلة من جانبنا العربي الإسلامي تجاه كل متصهين ومتخاذل، سواء من أبناء جلدتنا أم غيرنا. ردع الصهينة حكمة الصهاينة الحقيقيين – إن صح وجاز لنا وصف أعمالهم بالحكمة – هدفها الأسمى تبني روايتهم وردع كل من توسوس له نفسه أن يحيد عن النهج الذي مضوا عقوداً في رسمه والتخطيط له. تلك الحكمة مطلوب أن نتبناها في مجتمعاتنا كذلك، والبدء ببناء وصناعة أوراق من الضغط كثيرة ضد كل متصهين أو من يتوسم فيه التصهين، بحيث تكون تلكم الأوراق رادعة له أن يبث الأراجيف والشائعات ضد قيم الأمة وأهدافها الكبرى، أو المساهمة بقول أو فعل من أفعال التخاذل والتخوين والإرجاف، وملاحقتهم بكل الوسائل وكشفهم للعلن. لم يعد الوقت يسمح بأكثر من هذا الهدوء في التعامل مع ثلة المتصهينين، فالأمة تجرعت بما فيه الكفاية من الآلام وأصابتها من المصائب الكثير الكثير، وكان المرجفون والمتخاذلون والمدلسون من أبرز الأسباب، ثم بعد ذلك عدم الأخذ على أيديهم وردعهم من جانب الأمة عبر مؤسساتها المتنوعة، الشعبية قبل الرسمية، الأمر الذي دعا أمثال هؤلاء المرجفين إلى التعمق في أراجيفهم وأكاذيبهم دون أدنى حياء أو اعتبار لدين أو قيم أو عُرف. صدق من وصف غزة بأنها كاشفة وفاضحة المتصهينين المزيفين قبل الحقيقيين، بل وكشفت أعداء الأمة من الداخل قبل الخارج، وعرفنا الصادق من الكاذب المخادع. ولعمري إنها إحدى ثمرات هذا الحراك الحاصل في الأمة بفضل الله ثم الإخوة المجاهدين في غزة وحاضنتهم الشعبية الأبية، التي نسأل الله لهم صبراً وجبراً وقوة، وينصرهم على عدو الله وعدوهم، ويشف صدور قوم مؤمنين. آمين يا رب العالمين. د. عبدالله العمادي – الشرق القطرية