لا يمكن رشوة بوتين لإنهاء الحرب    إعلان مجلس جديد لنادي المريخ السوداني    إبراهيم جابر يدشن أكبر حملة لمكافحة نواقل الامراض    الشرطة السودانية تشكل مجلس تقصي حقائق حول ما تمت إثارته عن صلة لأحد ضباط الشرطة بخيوط مقتل الطبيبة روعة    مدير جامعة كردفان يدشن المنافسات الثقافية والعلمية الكبرى    (الصندوق) وإعمار الخرطوم    عائشة الماجدي تكتب: صمتاً ! ففي حضرة قواتنا المسلحة    الخبر بتاع السودان يوقع صفقة مع باكستان لشراء سلاح خبر 80% غير صحيح    "رونالدو" يتصدر قائمة أعلى اللاعبين دخلاً في الدوري السعودي براتب ضخم.. فكم يبلغ؟    واصل كتابة التاريخ.. صلاح يقترب من عرش روني "القياسي"    السودان يوقّع عقداً دفاعياً بقيمة 1.5 مليار دولار مع باكستان لتعزيز قدراته العسكرية    المهندس مجاهد عبد الله سهل يقترب من رئاسة المريخ    الهلال يضع حجر الأساس يحصّن الصفوف... ويصحح المسار    لا تزال أمام الفريق عبدالرحمن الصادق المهدي فرصة سانحة للم شعث حزب الأمة    شغف غناء الحماس والسيره. الفنان القادم في سماء الغناء الشعبي .بكري الخامسة    مخرجات قمة ترامب وبوتين.. لا اتفاق لوقف الحرب في أوكرانيا    إيسكو والعودة مجدداً للبيت الكبير    أنور قرقاش: ما أشد حاجتنا إلى خطاب عقل وحكمة يطفئ نيران الفتن    البرهان يبرم عقداً دفاعياً مع باكستان ب1.5 مليار دولار    شاهد بالفيديو.. بعد أنباء زواجها من أسطورة كرة القدم.. سيدة سودانية تهدي عارضة الأزياء الحسناء جورجينا "ريحة" عروس سودانية فاخرة لتتعطر بها لعريسها رونالدو    شاهد بالفيديو.. خلال حفل أحياه الفنان "الفحيل".. مواطن مصري يتفاعل في الرقص على الطريقة السودانية وساخرون: (تم تهكير الشعب المصري بنجاح)    شاهد بالفيديو.. في مشهد مؤثر.. شاب سوداني يعانق صديقه بشوق شديد بعد أن التقى به لأول مرة بعد الحرب والجمهور: (الأصحاب عزة وسند)    شاهد.. مقطع الفيديو الذي خطف القلوب.. جندي بالجيش السوداني يقابل والدته بعد طول غياب ويتمشى معها في الشارع العام    نحن أنصار القوات المسلحة بقدر إنتماءنا للوطن...كيف يربط البعض بين الشعائر الدينية والمؤتمر الوطني والكيزان؟    يهدد أراضي 8 دول عربية مشروع"إسرائيل الكبرى"    مدير عام قوات الجمارك يقف على ترتيبات افتتاح جمارك الحاويات قري    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    مدير عام قوات الجمارك يقف على ترتيبات افتتاح جمارك الحاويات قري    شاهد بالصورة.. إدارة مستشفى "الضمان" تصدر بيان تكشف فيه تفاصيل جديدة حول مقتل طبيبتها "روعة" على يد طليقها    الشرطة تنهي مغامرات العصابة الإجرامية التي نهبت تاجر الذهب بامدرمان    أكشن في شارع فيصل.. لص يدهس 3 أشخاص وينهي حياة سودانية أثناء الهروب    إرتفاع التمويل الزراعى إلى (59.3) ترليون بالقضارف بزيادة (80%) عن العام الماضي    وفد الادارة العامة للرقابة على شركات صادر الذهب يختتم زيارته للولاية الشمالية    الفاشر تمنحنا شارة إشارقة الغد المأمول    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    حُبّنا لك سوفَ يكُون زَادَك    مصرع وإصابة عشرات المهاجرين بينهم مصريون وسودانيون    شاهد بالفيديو.. أيقونة الثورة السودانية "دسيس مان" يظهر حزيناً بعد إصابته بكسور في يديه ويلمح لإنفصاله عن الدعم السريع والجمهور يكشف بالأدلة: (سبب الكسور التعذيب الذي تعرض له من المليشيا)    وزير الداخلية ومدير عام الشرطة يتفقدان مركزي ترخيص أبو آدم وشرق النيل    قواعد اشتباك جديدة : الإمارات تنقل الحرب إلى ميدان الاقتصاد.    النيابة المصرية تصدر قرارات جديدة بشأن 8 من مشاهير «تيك توك»    رافق عادل إمام في التجربة الدنماركية .. وفاة الفنان سيد صادق عن عمر يناهز 80 عامًا    تقرير أممي: «داعش» يُدرب «مسلحين» في السودان لنشرهم بأفريقيا    كارثة تحت الرماد    والي النيل الأبيض يزور نادي الرابطة كوستي ويتبرع لتشييّد مباني النادي    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العقدة الإثيوبية.. وظلم الجغرافيا
نشر في كوش نيوز يوم 21 - 02 - 2024

تمثل الموانئ البحرية في إفريقيا مدخلاً قوياً للنفوذ العسكري والاقتصادي لأغلب القوى الدولية الطامحة إلى موطئ قدم لها لتعزيز نفوذها ومصالحها الاستراتيجية والاقتصادية، وخاصة في منطقة القرن الإفريقي، لما لها من أهمية استراتيجية تفوق إمكانات دول القرن نفسه؛ فسعت تلك القوى إلى الاستحواذ على تلك الموانئ، لتطوير تجارتها مع القارة الإفريقية أو لتدشين قواعد عسكرية لتعزيز الحضور الدولي أو الإقليمي، وهو نفسه حلم الدولة الإثيوبية الذي يداعب مخيلتها منذ استقلال إريتريا أو انفصالها عن الجسد الإثيوبي، حتى صارت حبيسة الجغرافيا، فكانت تلك عقدتها التي رأت فيها العائق الوحيد والأهم، بينها وبين دورها الإقليمي الرائد، وهي مؤهلة له بوصفها الدولة الإفريقية الأكبر تعداداً للسكان والمؤثرة في القرار الإفريقي والأقوى عسكرياً واقتصادياً في الشرق الإفريقي الذي بات منطقة تكالب دولي.
وقد عبر آبي أحمد رئيس الحكومة، في خطابه أمام البرلمان الفيدرالي، في أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، عن مدى مصيرية اتصالهم بالبحر بقوله «كيف لبلد يخطو حثيثاً ليصل عدد سكانه إلى نحو 150 مليوناً، أن يعيش سجيناً للجغرافيا؟ إن وجود إثيوبيا مرتبط بالبحر الأحمر وينبغي ألا يكون هذا الارتباط قضية للمناقشة».
ومنذ ذلك اليوم باتت دول الجوار الإثيوبي الثلاث والفاصلة بينه وبين البحر الأحمر وخليج عدن (جيبوتي والصومال وإريتريا) تتوجّس خيفة، لاسيما بعد أن تردد أن أديس أبابا، عازمة على اقتناص نافذة بحرية ولو بالقوة المسلحة، حتى بعد أن صرحت «صومالي لاند»، وأديس أبابا في غرّة يناير(كانون الثاني) الماضي، عن توقيع مذكرة تفاهم لإعطاء هرجيسا لأديس أبابا حق انتفاع طويل الأمد بميناء بحري يمكّنها من تدشين قاعدة بحرية للأسطول الذي تسعى لإنشائه منذ سنوات في أحد موانئ جيبوتي.
وغير خفي ما كان لهذا الإعلان من نتائجه الإيجابية على الوضع الداخلي في إثيوبيا التي رآها بعضهم تصحيحاً لبعض الحسابات السياسية الخطأ وكانت نتيجته احتباسها عن البحر في 1991، في حين رآها آخرون هروباً إلى الأمام من معضلات داخلية واحتواء تداعي المؤسسات في الدولاب الرسمي الفيدرالي، وهو ما يدعونا للبحث في الأسباب والدوافع خلف تلك المذكرة، ومع ذلك الإقليم الانفصالي غير المعترف به.
ذهب المحللون إلى أن هناك الكثير من الأسباب والدوافع المتنوعة التي تقف خلف سعي أحمد لمفاجأة الإقليم بهذه المذكرة ولعل أهمها:
– اهتراء الخريطة السياسية الداخلية والتردي الاقتصادي، فجاءت المذكرة هدفاً قومياً وجودياً يجمع الشعب حوله تماماً، كما فعل في ملف سد النهضة.
– تأزم الوضع الداخلي في إقليم «صومالي لاند»، اقتصادياً وسياسياً، خاصة بعد مسألة رأس عانود وميدان غوجعدي؛ فرأي النظام هناك التشبث بجار عفيّ يحميه ويكسبه بعض الشرعية باعترافه به.
– أعدت إثيوبيا أسطولاً بحرياً بدعم فرنسي، منذ نحو ثلاث سنوات لتفعيل حضورها الإقليمي، وكان ينقصها ميناء للتموضع.
– ترى أديس أبابا في هذا الاتفاق الأقل كلفة في تحقيق الحلم المصيري، وكذلك مهارية اختيار موقع قريب من ميناء جيبوتي الذي تعتمد عليه أديس أبابا، بنسبة 95% في اتصالها التجاري بالعالم الخارجي.
– ترى إثيوبيا في دول الجوار البحري الثلاث (جيبوتي والصومال وإريتريا) التي تمثل أقل من ثلث تعدادها السكاني مجتمعة، لديهم وفرة ساحلية تزيد على خمسة آلاف كلم، وهو يمثل ظلماً جغرافياً بيّناً، ولا بدّ من تغييره.
– ترى أديس أبابا، أنه يجب التعاطي مع منطقة القرن الإفريقي كوحدة جيوسياسية متجانسة تتولى هي الدور الأبرز فيها «تمثلها»، ومن ثم يجب إعادة توزيع مِنَح الطبيعة وفق الاحتياجات.
وتحمل تلك الخطوة الكثير من الانعكاسات إقليمياً أو دولياً:
– إقليمياً: عمّقت تلك الخطوة أزمة الثقة التي تعتري دول الجوار الإثيوبي المباشر؛ ففيما يخص جيبوتي وهي راعية للمفاوضات بين هرجيسا ومقديشيو، ترى أن إثيوبيا قد عمدت بتلك الخطوة إلى إلحاق الضرر السياسي بها، بوأد المفاوضات، وكذلك اقتصادياً بإلغاء الممرّ البرّي لأديس أبابا في الداخل الجيبوتي، الذي ينقل احتياجاتها السنوية مقابل ريع سنوي وقلقها أمنياً، أيضاً، من تموضع أديس أبابا عسكرياً، بجوار موانئها. أما الصومال فقد رأت في ذلك محاولةً استعماريةً من أديس أبابا، وتعدّياً على جزء من أرضها الوطنية.
– دولياً: وجدت تلك المذكرة معارضة دولية ملحوظة من أكثر من جهة؛ فعربياً اعترضت جامعة الدول العربية على ذلك، حيث وصفتها بالخطوة الاستعمارية بالاستيلاء على أرض عربية، بمساعدة فصيل انفصالي غير معترف به. في حين تبنّت القاهرة نهجاً أكثر حدة، بسبب قضية مياه النيل وسدّ النهضة، فذهبت إلى استعدادها لمساعدة الصومال في الحفاظ على ترابها الوطني حال طلب منها ذلك. كذلك جاء موقف الأمم المتحدة رافضاً لتلك الخطوة، لأن نظام «صومالي لاند»، غير معترف به، ولذلك تأتي المذكرة غير شرعية.
إن مسألة الظلم الجغرافي الذي تراه أديس أبابا، والمصحوب بطموحات رأس النظام، لن تردعه اعتراضات بعض المنابر الإقليمية والدولية، في ظل انشغال العالم بقضايا أهم، رغم أنها تطرح الكثير من المخاوف والتداعيات، في ظل أجواء عالمية متوترة بالأساس.
د. محمد سيف الجابري – خبير متخصص في الشؤون الإفريقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.