*والعنوان مستمد من رائعة إدريس جماع.. *وهي ربيع الحب ؛ وفيها يقول : ثم ضاع الأمس مني… وانطوت بالقلب حسرة.. *ولكن الذي اتحسر عليه ليس جمال الحب – والمحبوبة – مثله.. *وإنما جميل الطباع… والصفات… والعادات… وبساطة المسلك الفطري.. *فالناس اليوم لم يعودوا كما في الأمس ؛ إلا قليلاً منهم.. *حتى الذين هم من الأمس هذا – ممن أعرفهم – ضاعوا مني… وما عدت أعرفهم.. *فقد تطبعوا بطباع اليوم – ذات المظاهر – وغدوا مسوخاً.. *ما عاد الكلام بالبساطة… ولا الضحك من القلوب… ولا التصرف على السجية.. *كل شيء فيهم تبدل… وتغير… وتحور… وتشوه.. *فليس الأمس السياسي والمعيشي والغنائي والرياضي والحياتي فقط الذي ضاع.. *وإنما حتى الأمس (الإنساني) انطوت بالقلب إزاءه حسرة.. *وعشيرتي نفسها لم يسلم غالبها من وباء المظاهر هذا ؛ فأمست غريبة عني.. *أو ربما أنا الذي أمسيت غريبا عنها ؛ لسنا على (الموجة) ذاتها.. *فبت أتردد ألف مرة عند محاولتي تلبية دعوات من تلقائهم.. *فهي تزيد من (غربتي) ؛ فلا أرى ما كنت أرى من تلقائية… وبساطة… وأُلفة.. *فالحنان مصطنع… والضحك متكلف… والضيافة (مرسومة).. *وضاع كل الذي كان يضفي على مثل هذه (اللمات) حرارة المودة الصادقة.. *فهذا زمانٌ القابض فيه على (أصالته) كالقابض على الجمر.. *والقابض فيه على دينه كذلك ؛ كما في الحديث.. *فحتى الدين – للأسف – غشيته غاشية (اليوم)… فغلبت عليه نزعة المظهر.. *وضاقت أمامي خيارات التمتع بأريحية روح الأمس.. *ولم يعد هناك – من الأهل والمعارف – سوى ثلة من الأولين… وقليل من الآخرين.. *وامتنعت عن مصافحة اللاتي يمددن إليك يداً هامدة.. *ثم يسحبنها بسرعة سحب نشال لجيبك في مناسبة عقد زواج بالمسجد.. *وكففت عن مؤانسة الذين يلوحون في وجهك بمفاتيح سياراتهم.. *ثم يسألون عن أحوالك بطرف ألسنتهم… وأفئدتهم.. *وتوقفت عن تلبية دعوات المفاخرين – والمفاخرات – بالمأكل… والملبس… والمشرب.. *ثم لا ينسون – وينسين – إخبارك بسعر إيجار الصالة.. *وقبل أيام دعاني ابن خالي محمد محمود – معاوية – لوليمة إفطار (جمعة) بمنزلهم.. *وهو من أهل الأمس ؛ أصالةً… وبساطةً… وعفوية.. *فسألته عن المدعوين سواي ؛ تأميناً لنفسي من مفاجآت قد تعكر صفو المجلس.. *فأجاب : محمود عثمان… ومزمل صديق… وسيف حسن.. *فوافقت فوراً ؛ فهم من الأهل الذين ما زالوا (يمسكِّون) بكتاب الأمس الجميل.. *حيث لا تكلف… ولا تصنع… ولا مظاهر زائفة.. *ولكن خذلتني – في آخر لحظة – بطارية العربية ؛ فقد ضاع منها (أمسها)..