.. لم أزل طوال ساعاتي المتسربة من جزيئات الزمن المتفككة أجلس هناك في ذاك المكان وحيداً.. .. أين كل هؤلاء الناس من كانوا يتحركون هنا منذ قليل؟ .. أعجن هذا السؤال داخل كتلة لزجة من الافتراضات أظل سحابة يومي أصنع منها العديد من الاشكال لتتحول من جديد إلى أسئلة مغايرة لا علاقة لها بالسؤال المحوري، تسقط ذبابة مشاكسة على أنفي، أهشها، فتطير هناك في الأفق أمامي وبجناحيها ما تساقط من أسئلة، أضحت اللحظة خلطة قوية داخل الكتلة الكبيرة!! تحاول مرات ان تصنع لها بعض الاشكال من الاستفهامات التى تتخلق للتو من رحم وجودها، عادت الذبابة من جديد، وربما هي ذبابة أخرى،، لا أدري!! حطت بقوة على أنفي، ثم نقرت خفيفاً على عيني اليسرى.. تزحزح قليلاً سكوني القديم متحولاً إلى حالة أخرى من التأهب لردة فعل قادمة اللحظة من كائنات لا أراها بعيني المجردة، تدحرجت إلى الخلف صانعاً لى جلسة مختلفة، والناس يعودون من جديد إلى مكانهم المألوف، يمتلئ الفضاء بصخبهم وضجيجهم وتنشأ في مخيلتي أسئلة جديدة، تجر خلفها حيرة علامات الاستفهام بكل جسارتها الأولى، الناس ينتشرون على الامكنة هنا وهناك، يسحبون خلفهم أذيالاً من أحاديثهم اليومية والمتكررة، وانا أراقب كل ذلك بذهن مشوش!! - أين أنا من كل هذا العالم؟ ... سؤال يضاف تلقائياً إلى كل الاسئلة السابقة، اقترب مني أحدهم، وهو يسألني عن وجهته الى المدينة القديمة.. نظرت فيه ملياً، كأني افكر في الاجابة ملايين المرات، ولما طال انتظاره، قذف بسؤاله إلى شخص كان يمر من أمامنا، وهو يحملق فيه في لا مبالاة. - لماذا لا تحرك اللحظة إلى مكان آخر؟.. إذ ان هؤلاء الناس قد صادروا فجأة كل أسئلتي الأولى، دون ان يمنحونني حق الدفاع عن خصوصيتي!! .. أحسست بأني اللحظة فاقد لارادتي، وان قدميَّ لا تقويان على الحركة!! لماذا؟ .. حاولت من جديد استدعاء كل أسئلتي القديمة علها تصطدم اللحظة بمخيلتي التى أضحت كسولة حتى خفت ان تصاب ما بين لحظة وأخرى بالتبلد!! حتى الذبابة التى كانت تناوشني سابقاً، وهي تصارعني وجودي تنازعني ما بين طقس الهدوء ولحظة التوتر والقلق طارت عني لترحل هناك في المدى البعيد.. .. الناس الآن يزاحمونني قسراً، يدفعونني دفعاً، وأنا محمول زمناً طويلاً على سواعدهم القوية باتجاه المدينة القديمة، مدينتي الأولى حيث داري وأهلى، ثم داهمتني في الطريق كائنات أخرى تحمل أسئلة من نار، وحزمة نقاط متفجرة. امدرمان/ الثورة الشنقيطي الاسكان 5/3/2008م