لا شك في ان هذا الفيلسوف الحكيم الإمام ابو حامد الغزالي يعد من اعظم اعلام الفكر العربي الاسلامي ومن أئمة أهل البحث والنظر في علوم الدين والدنيا وقد عده كثيرون من مؤرخي الفلسفة والادب من نوادر الدهر نبوغاً ونوراً «تاريخ فلاسفة الاسلام في الشرق والغرب - محمد مصطفى جمعة). يقول تاج الدين السبكي صاحب طبقات الشافعية الكبرى: «كان الغزالي شديد الذكاء شديد النظر عجيب الفطرة مفرط الادراك قوى الحافظة والذاكرة بعيد الغور غواصاً على المعاني الدقيقة جبل علم - مناظراً محجاجاً كان شيخه إمام الحرمين أبو المعالي الجويني يقول عنه: «الغزالي بحر مغدق». ويقول معاصره عبد الغافر الفارسي: «علت حشمته ودرجته في بغداد حتى كانت تغلب حشمة الاكابر والامراء ودار الخلافة». قال اسعد الميهني: «لا يصل إلى معرفة علم الغزالي وفضله إلاّ من بلغ أو كاد يبلغ الكمال في عقله». قال ابن النجار: أبو حامد الغزالي امام الفقهاء على الاطلاق ورباني الأمة باتفاق ومجتهد زمانه وعين وقته واوانه وكان ذا فطنة ثاقبة وغوص على المعاني حتى قيل انه الف «المنخول» فرآه ابو المعالي فقال: دفنتني وانا حي فهلا صبرت الآن. كتاب غطى على كتابي. وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: «كان الغزالي اماماً في علم الفقه مذهباً وخلافاً وفي اصول الديانات». وقال الحافظ ابو سعد بن السمعاني فيه: «من لم تر العيون مثله لساناً وبياناً ونطقاً وخاطراً وذكاء وطبعاً». وقال ابن النجار: «اتفقت الطوائف على تبجيله وتعظيمه وتوقيره وتكريمه، وخافه المخالفون وانقهر بحججه وادلته المناظرون وظهرت بتنقيحاته فضائح المبتدعة والمخالفين. وقام بنصر السنة واظهار الدين وسارت مصنفاته في الدنيا مسير الشمس في البهجة والجمال، وشهد له المخالف والموافق بالتقدم والكمال. يقول الشيخ ابو الحسن علي الحسني الندوي: بلغت شهرة الغزالي أوجها، ووصل إلى اقصى ما يصل إليه عالم من المجد، ولكن الغزالي لم يرض بهذه الشهرة واقبال أهل العلم عليه وظلت نفسه قلقة غير مطمئنة بما ناله من المجد والجاه المادي إلى ان ترك كل ما يحظى به من جاه يطمح إليه العلماء والاولياء في عصرهم فاعتزل ونفض يده عن كل ما يملكه من مال وأثاث ورياش وتوجه إلى الصحاري والخلوات واختار حياة الفقراء والغرباء. اسلوب الشيخ الغزالي: في جميع المباحث سواء أكانت تتعلق بالعلم والعبادة والتشريع أو بالعادات والمعاملات والأمراض الخلقية والمسائل النفسية وحلول قضايا الحياة اسلوب الإمام الغزالي سهل عذب مقنع مؤثر يؤثر على القلوب والوجدان. ليس بالجد الممل ولا الهزل الساقط وإنما هو اسلوب معتدل جد في موضع الجد وفكه في موضع الفكاهة إلاّ انه أجاد في سائر كلامه وأنه يستشهد بالشعر والامثال ولا يكثر منها كدأب الكتاب في عصره ولا تثقل عبارته بالمفردات والمترادفات ولا يتكلف تزيينها بالمحسنات اللفظية يختلف كلامه باختلاف المخاطب.. يخاطب العلماء حسب عقولهم، وعامة الناس بمستوى عقولهم حرصاً على التفهيم كما يقول في موضع بيان آفة اللسان: قال الامام الغزالي: «التقعر في الكلام بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع فيه فانه من التصنع المذموم، ومن التكلف الممقوت. إذ ينبغي ان يقتصر في كل شئ على مقصوده ومقصود الكلام التفهيم للغرض وما وراء ذلك تصنع مذموم ولا يدخل في هذا تحسين الفاظ التذكير والخطابة من غير افراط ولا اغراب فان المقصود منها تحريك القلوب وتشويقها وقبضها وبسطها فلرشاقة اللفظ تأثير في ذلك «إحياء علوم الدين «3/091» ويقول في موضع: «الكلام اللين يغسل الضغائن المستكنة في الجوارح».. (يتبع)