أفسدت رائحة البمبان الأجواء (الربيعية) النادرة التي عاشتها الخرطوم بعد اعتدال الطقس والمزاج في اليومين الماضيين، و(الربيعية) هنا ليس نسبة للربيع العربي، وإنما للطقس بالطبع قبل أن تحيل رائحة الإطارات المحروقة تظاهراً بسبب إرتفاع الأسعار وما أعقب ذلك من بمبان كثيف، شوارع الخرطوم إلى شىء آخر لا يطاق.من حق المتظاهرين على الإجراءات الإقتصادية التي كانت فوق قدرتهم على الإحتمال أن يعبروا عن رفضهم لها، ويتخذوا في سبيل ذلك كل السبل الإحتجاجية السلمية. لكن إنزلاقهم لعمليات تخريب تطال مؤسسات الدولة أو تعطل مصالح الشعب سيجعل الجهات الأمنية المختصة تتصدى لهم بالحسم الذي يحول دون وقوع خسائر في الأرواح والممتلكات، ويكفي ما تكبّدته البلاد مؤخراً من خسائر غير قابلة للتعويض.وعلى الأجهزة الشرطية والأمنية المختصة وهى تسعى لحفظ الأمن في البلاد، أن تضع نصيحة د. عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم ورئيس اللجنة الأمنية بالولاية نُصب أعينهم، فقد نصحهم الخضر نصيحة غالية بضرورة التعامل مع المحتجين بتفهم خاصة وأن الإجراءات الإقتصادية الأخيرة مثل (دواء مُر) على حد وصف الزبير أحمد الحسن رئيس اللجنة الإقتصادية بالبرلمان. ومن المعلوم أن للدواء سواء أكان مراً، أو حلواً آثاراً جانبية.ما يجعل من نصيحة الخضر بشأن التعامل بتفهم مع المتظاهرين غالية، هو حرص البعض بإلحاح للإصطياد في مياه الرفض الشعبي لتلك الزيادات على الأسعار، ولامتطائها لتحقيق أهداف وأجندات سياسية لا سبيل لتحقيقها إلا في ظل تأزم الأوضاع أكثر فأكثر، ولا وصفة لتأزيمها أسرع من التعامل بعنف مفرط مع المحتجين لأن من شأن ذلك أن يقدم هدية مجانية للمعارضة التي طال إنتظارها لمشروع (محمد بوعزيزي) ليشعل ثورتها.ليس من حق أحد بالطبع، أن يفرض على الآخرين متى وكيف يختارون ميدان ومكان معركتهم مع خصومهم السياسيين، لكن هشاشة الأوضاع الحالية، وما يتصل بذلك من وضع إقتصادي شديد التعقيد وتربص من الخارج، وتجاوز لكل الحدود من الجنوب، وإنتشار السلاح وحامليه مع الغبن الإجتماعي لدى البعض سيجعل من مواجهة الحكومة والمعارضة في الشارع العام هذه الأيام، هو المجهول بعينه. ولا يستطيع كائن من كان التنبؤ بالسيناريوهات المفخخة التي ستفضي إليها مثل هذه المواجهة المحتملة.على الجميع إذاً أن يلعبوا على الكرة لا على الجسم بلغة الرياضيين، وأن يحددوا قوانين اللعبة مسبقاً، ويكتفوا بالهتاف وحتى إطلاق صافرات الإستهجان. أما قذف الملعب بالحجارة وإحراق الإطارات، والرد على ذلك بالبمبان كريه الرائحة، فسيدمي الجميع. وسيخرج الجميع مهزومين في النهاية. من الآخر، يجب تحلي الأجهزة الأمنية والشرطية بأعلى درجات ضبط النفس في التعاطي مع المظاهرات غير القانونية، كما يجب على المتظاهرين بسسب الأوضاع الإقتصادية إنتهاج وسائل مُعقمة للتعبير عن آرائهم وفق ما يكفله الدستور والقانون، وأن لا تمتد أيادي البعض للحريق والعبث في جسد الدولة