مع أن الإيقاف المؤقت لزيادة الكهرباء الأخيرة صدر عن لجنة الترتيبات الاقتصادية، إلا أن ترأس نائب الرئيس علي عثمان تلك اللجنة جعل الإيقاف المؤقت قراراً ذا نكهة رئاسية بامتياز، واعتاد المواطن على صدور القرارات والتوجيهات الرئاسية بإضافة (مية الرئيس) إلى راتبه أو معاشه، لكنه لم يعتد من قبل أن يتدخل القصر الجمهوري بين المواطن والتجار الجشعين، سواء كان أولئك التجار الجشعين أفراداً أو شركات توصف بالحكومية، حتى بات في حكم القانون والقاعدة في السودان ، أن كلا من شاء يرفع سعر سلعته أو خدمته كما يشاء دون محاسبة وزارية أو تبعات قانونية أو تدخلات رئاسية..! التدخلات الرئاسية ، أتت في الماضي القريب على غير هوى المواطن، وبينما أراد عثمان عمر الشريف وزير التجارة مؤخراً على سبيل المثال تخفيف أو تجميل وطأة قرار حظر استيراد السيارات المستعملة، لكن الرئاسة عادت لتؤكد أن الحظر غير قابل للإلغاء، ومعلوم أن الحظر قد أضر بكثير من أبناء الطبقة الوسطى الراغبين في امتلاك سيارات لصالح توفير قليل من الدولارات في جيب السلطة، ولم تعد في السوق غير السيارات الجديدة التي لا يطيق شراءها عادة إلا كبار مسئولي الدولة وبعض صغار موظفي الدولة المحظوظين، وكبار الملاك والوارثين والتجار..! ورغم تمسك الرئاسة مؤخراً بقرار حظر استيراد السيارات المستعملة، إلا أن غالب القرارات والتدخلات الرئاسية التي برزت خلال الفترة الأخيرة لم تكن تتعلق مباشرة بمعاش المواطن وأسعار الكهرباء والسيارات والوقود والطماطم..بل كانت تتعلق بصراعات الجهاز التنفيذي بين وزير الإرشاد ومدير هيئة الحج..أو بين عوض جادين مدير سونا ومسار وزير الإعلام سابقاً. تلك التدخلات والقرارات الرئاسية الإسعافية يرى فيها البعض وجها إيجابياً ذلك أن مثل تلك القرارات تعني أن القصر يفتح عينيه جيداً على عمل الجهاز التنفيذي، وهو جاهز متى ما دعت الحاجة لتصحيح ذلك القرار الوزاري أو حل ذلك الصراع الشخصي أو المؤسسي داخل جهاز الدولة. في المقابل، يؤكد آخرون أن تدخل القصر في تفاصيل عمل الوزارات والهيئات يدل على فشل إداري ومؤسسي تعيشه تلك الوزارات والهيئات، وفوضى إدارية وقانونية وسياسية ومالية ضاربة بأطنابها في جهاز الدولة ودوائر الحزب الحاكم، ما يجعل الرئاسة منشغلة بتفاصيل مشكلات الحكم، عوضاً عن الاهتمام بصياغة السياسات العامة واتخاذ القرارات الإستراتيجية ..! قرار إيقاف زيادة أسعار الكهرباء في القطاع السكني فقط ، لحين اكتمال دراسات رفع الدعم عن الكهرباء وإصلاح القطاع، يرى فيه البعض ذراً للرماد في العيون لأن إيقاف الزيادة للقطاع السكني مؤقت لحين اكتمال دراسة رفع الدعم تدريجياً في غضون ثلاث سنوات، في المقابل يؤكد آخرون أن قرار إيقاف الزيادة يعكس القدرات السياسية العالية للإنقاذ.. وقدرتها الفائقة على إدارة الأزمات وإخراج القرارات بطريقة لا يشق لها غبار...!