سربت وكالات الانباء العالمية أخباراً عن سرقة مليارات من الدولارات من دولة الجنوب الناشئة بيد كبار قادتها الثوريين بينما يعاني مواطنوها الجوع والمرض والخوف والعوز .... لا احد من السادة المسؤولين يكترث بمعاناة المواطنين برغم ادعاءات حكومتهم بنضال ثوري ضد المتسلطين لاجل قطاعات واسعة من المهمشين من شعب جنوب السودان . وقبل ان يجف مداد هذه الشعارات وقبل ان تدور ماكينات الإنتاج من الإبرة إلى الطائرة يمد المسؤولون أيديهم ( المناضلة ) لقوت الشعب الذي لم يتذوق حتى الآن طعم الحرية والاستقلال من قبضة الشماليين الاشرار الذين استعبدوهم سنوات وسرقوا مواردهم على حد زعمهم . لم تستفد الدولة الجنوبية حتى الآن والمشاكل تعصف بها من كل صوب ... حروب مع الشمال وقضايا متعددة معلقة مع الدولة الكبيرة في الحدود ومعالجة الديون ومنطقة ابيي .... في هذا الوقت تمتد أيادي المسؤولين من الصف الاول في الحركة الشعبية لوضع الأموال في جيوبهم ... بينما الشعب يرزخ تحت وطأة المعاناة و الشقاء والبؤس . يسأل سائل سؤالاً منطقياً مالنا ودولة الجنوب فمشاكل السودان اكثر من ( الهم في القلب ) كما يقولون ؟؟ والإجابة على هذا السؤال في غاية البساطة حيث لا زال الشعب السوداني كله ذاهل من اثر الانفصال وتداعياته ... ثم العداء الذي فجرته الحركة الشعبية الحزب الحاكم في الجنوب من اثر احقاد قديمة متوارثه وغبائن متجددة تحتاج لوقت حتى تزول وتصفو ويتعامل الطرفان كدولتين محترفتين لا يهمهما غير المنافع والمصالح المتعددة والكثيرة . تخطيه بعمى أيدلوجي عقيم ... حيث المصلحة في النهاية بين البلدين ستسود ... رغم ما يضمره الطرف الجنوبي من سوء يغشي البصيرة الأصلية التي تستوجب التعامل اللائق مع الشقيق والخال و الجار . واذا كان ما سلف ذكره يبدو رومانسياً للغاية فطبيعة العلاقة بين البلدين يتحكم فيها السائد من هذه المشاعر الطبيعية رغم ما يذكره بعض الانفصاليين من الطرفين ... ولذا تجد نهب الثروة الحقيقية لشعب جنوب السودان .... تحرق احشاء كل سوداني من حلفا والى آخر نقطة في الخريطة ( الجديدة ) التي لا تشبه السودان الذي ورثناه من المستعمر.... ليس في هذه شبهة لاختصار دولة جديدة او طموحات استعمارية ... ... التجربة الماضية من التفاوض وأثر قطيعة الدولتين اقتصادياً على المواطنين يجب ان تذكر اهل الرأي في الدولتين مسؤوليتهم التاريخية في معالجة القضايا بروح وقدرة سياسية لنتجاوز الصغائر والضغائن التاريخية التي تقود الحزبين إلى ممارسة ( العكننة ) و ( التشاكس السياسي ) آن الآوان التعامل وفق المصالح والمنافع العليا التي تتجاوز غطرسة باقان وتعنت أولاد أبيي .. والطعن المبّرح تحت الاحزمة الحمراء .... فأدعى للإنقاذ التي تقود مشروعاً حضارياً نهضوياً تجاوز الهنات وتحاول أن تقيم وحدة كونفيدرالية مع دولة الجنوب وفق المصالح المرسلة بين الطرفين بدلاً عن تغذية العناد والتطرف وروح الإقصاء. الشمال يحمل عبء الجنوب سنوات وسنوات الى ان وصل الى الاستقلال كما يرغب وبالحسنى فالقتال لم يفض الى شيء مهما تطور واشتد ... لكن بالحوار والتفاوض خرج خيار آخر أفضل من القتل المتوارث فلماذا لا يمتد الحوار الى آفاق أعلى حتى لا يجد معارضو الانقاذ فرصة في وصفهم بالاقصائيين وعصابات الاستبداد وعدم القدرة على ادارة التنوع ؟؟ وبرغم ان الانقاذ اعترفت بحق تقرير المصير الذي هو غاية الاعتراف بحق الغير تتردد أقوال تشكك في تطوير منظومة التفكير الشمولي الذي تلوكه المعارضة أينما كانت ... لكن الحقيقة ان الحكومة التي ارتأت معالجة القضايا بالتفاوض بعد ان عقمت الحرب في صنع بدائل قادرة على إدارة الاختلاف والتنوع بإرادة سياسية مبتكرة !!!! هذا السباق المحموم في المكيدة السياسية ينم عن مراهقة متأخرة في عمل الدول التي تحكمها ( المصالح ) وليس الاحقاد .... كما تحاول دولة الجنوب الناشئة ... اما حكومتنا فعليها ان تفكر برحابة عالية تتجاوز ( الضغائن ) مع صبر مديد حتى تظفر بجوار آمن ومستقر وذي عوائد استراتيجية وهذا قدر حكومة السودان الساخن !!!!! هذه المسألة الحيوية في التعامل مع دولة جنوب السودان من الأنسب أن تتداعى لها منظمات المجتمع المدني والأحزاب والجمعيات في تظاهرة سياسية ثقافية اجتماعية أشبه بالثورة التي تحطم الأسوار ، هذا ليس ( حلماً ) أفلاطونيا لكن إرادة شعوب وقادة عظّام يذكرهم التاريخ والذاكرة الجماعية للأمم رغم كل المكائد واللوبيات والمتطرفين ومجموعات الضغط !!!