لا أتصورُ أنّ مواطناً في دولة نامية أو غير نامية من أشواقه أنْ يرى رئيسه من حملة الدكتوراه في الكيمياء النووية أو الفيزياء الفلكيّة، أو حاصلاً على الماجستير في زراعة السمك فوق الماء أو تحته! لو جاء رئيس دولة ليحكم شعبه حاملاً لدكتوراه أو متأبّطاً لماجستير أو واضعاً في أحد جيوبه دبلوماً فإنّ في ذلك تزكية لسيرته الذاتية، لكنّ هذه الدكتوراه أو الماجستير أو الدبلوما لن تصيب هذا الشعب في محياه أو مماته! الرئيس السنغالي الأسبق سنغور من الرؤساء الذين زيّنوا عهدهم السياسي بدرجة الدكتوراه في الأدب الفرنسي، لكنْ عندما تُرَاجَعُ بيلوغرافيا الرؤساء الأفارقة سينسى المراجعون وضع سنغور في قائمة أفضل رؤساء أفريقيا... سيضعونه في قائمة أعظم شعراء أفريقيا! الرئيس المصري المُنتخب محمّد مرسي ألقى الأضواء على درجة الدكتوراه مقرونة بالرئاسة، وسيشهد له التاريخ أنّه رفع الرئاسة في الدول العربيّة لدرجة الدكتوراه، ومع ذلك لن يرجو منه شعبه مطلباً يمر بطريق الدكتوراه! الرئيس عمر البشير قبل أيام أجازَ مجلس جامعة الجزيرة درجة الماجستير التي نالها من معهد إسلاميّة المعرفة التابع لجامعة الجزيرة عن رسالته الموسومة (تحديّات تطبيق الشريعة الإسلامية)... ونحمد الله أوّلاً أنّ مؤسسة دستورية أو تنفيذية أو تشريعية أو سياسيّة بما فيها المؤتمر الوطني لم تخرج بإعلانات لتهنئة الرئيس بدرجة الماجستير، وهو سلوكٌ قويمٌ لا أظنّ أنّه وليد سياسات التقشّف المُعلنة... لكنّي لا أعلم لماذا لم تُنَاقِش الرسالة لجنة امتحانيّة مع طالب الماجستير عمر البشير، لو حدثت مناقشة الرسالة على الهواء مُباشرةً لكانت لحظة من الصفاء العلمي وربّما الشفافيّة السياسيّة أنْ يرى ويسمع الناس على شاشات التلفزيون وموجات الإذاعة العاملة رئيسهم في حالة امتحان! رئيس جمهورية السودان في أطروحة الماجستير ألقى أضواءه البحثية وجَمعَ بياناته عن تحديات تطبيق الشريعة الإسلامية، بعضها تحديات على الأرض وبعضها في الشريعة نفسها، وهو ما يفتح الطريق ليسير باحثاً إلى الأعمق... فيذكرُ التاريخ أنّ عمر البشير نال الماجستير وهو رئيسٌ للجمهورية، وناقشَ رسالة الدكتوراه وهو غير رئيس!!