بعد أن خلا قاموس الإنقاذ، أو كاد من المفردات الناطحة التي تجعلنا فيما يشبه المواجهة المفتوحة مع الغرب وإسرائيل طوال السنوات الفائتة، عاد قادة الإنقاذ الكبار منذ ضرب مصنع اليرموك ليستلفوا من قاموسهم القديم ذات اللغة الحماسية التي تذكر أمريكا بدنو العذاب، وتتوعد إسرائيل بالويل والثبور وعظائم الثأر والأمور، من غير أن ندري على وجه الدقة ما إذا قررت الحكومة المواجهة بالفعل، أم أن الأمر محض استعراض وخطاب أُريد به توجيه رسائل للداخل، فنقلته الفضائيات المتطفلة للخارج. بالأمس فقط مثلاً، نقلت صحف الخرطوم حديثاً لنائب رئيس الجمهورية د. الحاج آدم توعد فيه إسرائيل بإرسال الصواريخ وتحرير فلسطين، قبل أن يقول في ختام مؤتمر التحالف ضد العدوان الإسرائيلي: (يا إسرائيل أرعي بي قيدك)!!.، وقبل ذلك بأيام قليلة كان النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه يرسل لاءات مربكة في ختام مؤتمر الحركة الإسلامية الثامن، ونعم أكثر إرباكاً عندما قال: (لا لمجلس الظلم العالمي، ولا للأمم المتحدة، ونعم لنظام عالمي جديد). بالطبع، من حقنا أن نعبر بالطريقة التي نريد ونتخذ من الأساليب ما يكفي لرد العدوان الإسرائيلي الغاشم على البلاد، لكن مع مراعاة ضرورة عدم فتح جبهات جديدة، أو الدخول في معارك من الممكن جداً تفاديها، فكما يقول الدبلوماسيون: (قبل إطفاء الحرائق، لابد من إيقاف تقدم النيران). ومن الأسلحة المتاحة في أيدى الحكومة الآن وتستطيع أن توظفها بذكاء في الواقع بعيداً عن الحماس والهتاف الذي لا يفضي إلى طحين، هو الأسلحة الدبلوماسية. وربما تكون هذه الأسلحة أكثر وسائل الرد إيلاماً لإسرائيل حسبما قال وزير الدفاع نفسه ل (صحيفة السوداني) عقب قصف سابق لبورتسودان. صحيح أن الفيتو الأمريكي سيكون في متناول إسرائيل ويحاول دون إدانتها، ولكن باستخدام وسائل دبلوماسية فعالة يمكن إحراز العديد من الأهداف في مرمى تل أبيب وكشفها حقيقة عدوانها السافر، ومدى الضرر الذي وقع على البلاد بسبب صواريخها وغطرستها. بينما تنسف لغة (المواجهة) وحتى وعود خالد مشعل للثأر من إسرائيل بسبب ضرب مصنع اليرموك، تنسف الكثير من الجهود الدبلوماسية على الأرض. التعامل المناسب مع قصف مصنع اليرموك الذي صعد من الخطاب الحكومي، كان من الأوفق أن يكون عسكرياً إذا تم ذلك في وقته بالطبع. ولكن عندما لم يحدث ذلك وقتها، فإن من االمناسب إعطاء (العيش لخبازيه) في وزارة الخارجية التي استطاعت إحداث تضامن عربي غير مسبوق، ودعم لافت له في مواجهة الإعتداء الإسرائيلي السافر. من الآخر، لا يجب أن نسدد فواتير مواقف لم نتخذها في الواقع.