كاميرون هو ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني , أما عبد الله إبراهيم آدم حسن فهو سوداني عمل في السفارة البريطانية في الخرطوم و فصل تعسفياً حسب رأيه , و يرى أن له حقوقاً عند السفارة لم تؤدها له مما اضطره للشكوى لرئيس الحكومة البريطانية . لست ميالاً لتسليط الضوء على مواضع الإثارة في القصة , و لا التسرع بالقول إن السيد كاميرون قد أنصف الرجل , فقد لا يكون مظلوماً . و لست بصدد إبداء إعجاب أصبح هائفاً بمسلمين من غير إسلام في مقابل إسلام بلا مسلمين و غيرها من عبارات فقدت طعمها من كثرة المضغ , خاصة و أنني أؤمن أن السلوك الحسن شأن إنساني تصوغه عوامل ثقافية كثيرة لا الدين وحده . ما همني في القصة هو رد الفعل التلقائي من رئيس الوزراء البريطاني بدون الإحساس أنه يأتي شيئاً عظيماً . قد نضخم نحن مسلك الرئيس و قد نقارنه بموقف السلطة التنفيذية عندنا من قرار السلطة القضائية حول حقوق المعاشيين . تصرف رئيس الوزراء البريطاني جزء من سلوك عام و ليس بطولة استثنائية , و قد نصل إلى هذا المستوى لا بالسخرية من حالنا , بل بالتشخيص الصحيح الذي يفضى إلى ضرورة تكامل عوامل ثقافية كثيرة قبل بلوغنا هذا المستوى . نحن على سبيل المثال نسارع إلى ستر مجنون يسير عارياً في الشارع . هذا يعني أن ثقافتنا الجمعية ترفض هذا المظهر و تعطف على هذا المسكين . لكننا لا نلقي بالاً لأسلاك كهربائية مهملة و لا ماسورة مكسورة و لا نحرج من التبول او البصق في أماكن لن تحميها تحذيرات ممنوع التبول و ممنوع البصق , فدرجة إحساسنا بالقبح في هذه الأفعال لم يصل مستوى إحساسنا بالمجنون العاري . مررت بتجربة شخصية أعطتني درساً حين كنت أنتظر حضور طبيب لمعالجة ابنتي المريضة . تأخر الطبيب لأكثر من ساعة و نصف الساعة , ثم حضر غير مستشعر لأي حرج كما أننا لم نحس بغضب يذكر . لم يحرج الطبيب لأنه لا يتوقع دهشة من المرضى لتأخره حيث لم يصبح الانضباط سلوكاً عاماً في حياتنا يستغرب معه عدم احترام الطبيب لمواعيد مرضاه . و لما ساءلت نفسي عن سبب برودي تجاه سلوك الطبيب اكتشفت أن تفسير ذلك هو أنني سوف أسلك ذات المسلك لو كنت مكانه , فقد اعتدت أنا الآخر على التأخر عن المواعيد و عدم إظهار الهمة تجاه ما يوكل إلىّ من مهام . فبدا سلوكي البارد و كأنه حماية لنفسي من غضب قد أتعرض له عند تقصير غير مستبعد مني . بلا سخرية ,, بدري علينا ..