قصة المحاولة التخريبية، التي استيقظ على سيرتها شعب السودان أمس، وتناولتها وسائل الإعلام المختلفة داخليا وخارجيا، طغت على كل ما عداها من أنباء وقضايا كانت تشغل الرأي العام ليس أولها ارتفاع أسعار السكر الذي حاصرته وزارة المالية بتأكيدها عدم وجود أي اتجاه لزيادتها، ولا آخرها تفاصيل الاعتداء على المال العام التي تبرع المراجع العام بكشفها (حتة حتة) أمام البرلمان أمس الأول. كغيري من الزملاء الصحفيين الذين وصلتهم رسائل ووردتهم اتصالات بشأن المؤتمر الصحفي العاجل لوزير الإعلام د. أحمد بلال عثمان حول المحاولة التخريبية التي كانت حديث المدينة أمس، كغيري وصلت مسرعاً في الثانية والنصف وخمس دقائق إلى القاعة الكبرى في وزارة الإعلام برفقة الزميلين إبراهيم حامد مصور (الرأي العام) وعبد الصمد كرار، حتى لا يفوتني شيء في هذا المؤتمر الذي احتشدت له أجهزة الإعلام المحلية والعالمية وضاقت باحة وزارة الإعلام وقاعة المؤتمر ? بما رحبت- بكم الهائل من حملة الأقلام والكاميرات والأوراق المبعثرة التي كان الكل يحاول جمعها من خلال إفادات وزير الإعلام عله يروي ظمأ الصحفيين، ويرفد القارئ - والمتلقي عموما- بما يفسر جملة استفهامات كانت وما زالت قائمة رغم قيام المؤتمر. الدهشة التي كانت تلف المواطن العادي وحجم الاستفهام الذي يحيره بشأن هذا النبأ ? كان هو هو الذي دفع عددا مهولا من الصحفيين نحو وزارة الاعلام ? حيث قبعنا في مقاعدنا وعشرات الكاميرات والمصورين يحولون بيننا وبين رؤية وجه السيد الوزير أحمد بلال عثمان وتبيان تعابيره وهو يتلو علينا تفاصيل ورد جزء كبير منها في الأنباء التي سبقت المؤتمر، حيث كان الأمر سريعا ومختصرا ? غير مفيد للحد المطلوب- فما جاد به الوزير كان أشبه بتلاوة بيان أو قرار مباشر فقط. وكنا تتسلل منا الابتسامات والإخوة الصحفيين الذين حضروا بعدنا يدخلون القاعة وهم يلقون التحية باشارات مبهمة وأصوات هامسة وعيون ملؤها التساؤل، والتفاؤل بخبر مفصل ودقيق و(سمين) كما يحلو للبعض أن يسمي الأخبار التي تصلح عناوين رئيسة في صحف الغد. ورغم أنه فاتتنا شيء من تفاصيل بيان الوزير. ما يعلمه الجميع عن المؤتمر الصحفي، خاصة في مثل هذه القضايا الكبيرة الشأن، انه مساحة للأخذ والعطاء وطرح التساؤلات التي تدور في أذهان المشفقين والخائفين وحتى الشامتين والمستبشرين بالمحاولة التخريبية، كنا نود أن يجيبنا السيد وزير الإعلام على أهم الأسئلة المطروحة حول القضية، فهل هي محاولة تخريبية أم إنقلابية.. ومن تستهدف من القيادات وعلى أي مستوى.. وهل تستهدف العاصمة الخرطوم أم أن لها امتدادات أخرى في ولايات أخرى في ذات التوقيت.. ومن هم الأشخاص المدنيون المشاركون في العملية المجهضة.. ولماذا لم يذكر أيا من أسمائهم كما ذكر بعضا من أسماء العسكريين.. ولم لم يذكر بقية العسكريين.. وما هي دلالات التوقيت الذي سبقته كثير من الشائعات عن قيام تحرك ما ضد الدولة.. خاصة إبان مرض السيد رئيس الجمهورية.. فالواضح أن الدولة ممثلة في أجهزتها النظامية المختلفة، ووفقا لما ذكره وزير الإعلام، وضعت يدها على تفاصيل العملية منذ وقت مبكر وعملت على إحباطها قبل ساعة الصفر التي كانت محددة بيوم أمس، وبالتالي فإن مزيدا من التفاصيل كان يمكن أن تورد خلال المؤتمر أو التصريح الصحفي الذي (دلقه) وزير الإعلام على الأسماع المترقبة في عجالة.. وما زالت الأسئلة تتواتر وتتواتر فالقضية أعمق من أن يحتويها بيان عابر. وحوى بيان الوزير مداخل مهمة لأسئلة أهم فقد لوح بعباراته في وجه بعض القوى السياسية التي لم يسمها، قال إنها تعتقد أن هذه المحاولة يمكن أن تمهد المسرح لعملية تطيح بنظام الحكم، إلا أنه أكد أن هذه أحلام (بلا سيقان)، ففتح الباب لوضع كثير من الأحزاب في قفص الاتهام، خاصة وأن تحالف المعارضة عقد مؤتمرا صحفيا أمس الأول جلد فيه ظهر الحكومة وأكد ضرورة ذهابها عاجلا لحل المشكل السوداني.. كما أن حديث الوزير عن الاتصالات الداخلية والخارجية، يجبرك على التساؤل بشأن طبيعة ومدى هذه الاتصالات.. وكل ذلك لم يذكره د. بلال ولم يسمح للمحتشدين بطرح تساؤلات حوله. وزير الإعلام قال إن الوقت غير مناسب للمزيد من الحديث لأن القضية في طور التحقيق مع المتهمين، وأكد أنه سيفيد الرأي العام بكل ما يستجد بشفافية وصراحة ووضوح، ونصح الوزير، أو حذر، الإعلام والصحافة على وجه الخصوص من الخوض في أية تحليلات أو إجتهادات وتخمينات أو الاستماع للشائعات حتى لا يؤثر ذ لك على مسار التحقيقات والقضية عموما.. ولعل نصيحة الوزير هذه تأتي في سياق اجتهاده في توحيد قناة الخطاب الحكومي وإكسابه طابعا رسميا معتدلا، لكن ربما لم يدر الوزير وهو يلقي بهذه النصيحة، أنه ترك كثيرا من الثقوب في ثوب هذه القضية الشائكة يمكن أن تنفذ منها التكهنات والاجتهادات والتحليلات وكذلك الشائعات، لأن الصحافة لا تستطيع ترك سؤال واحد دون إجابة وإن أضطرت إلى استفسار كائن من كان وتحليل كل جزيئات القضية وما يرتبط بها، ولأن الشارع كان ومازال منذ سماع الخبر ينسج سيناريوهات مختلفة ويلحق بالمحاولة ما تيسر من الأسماء والشخوص ويضفي عليها ما استطاع من (شمارات)، إلى حين البيان التالي للسيد وزير الإعلام. الصحفيون والإعلاميون الذين ملأوا ساحة وزارة الإعلام أمس، خرجوا من القاعة ليتحلقوا في مجموعات، يطرحون التساؤلات المشرعة على بعضهم ويبدأون رحلة التكهنات والتحليلات من داخل الوزارة، وعلى وجوههم بعض حيرة وكثير من الظمأ الصحفي.