لقد خشيت دولة الكيان الإسرائيلي كثيراً من تحول موازين المقاومة في غزةوجنوب لبنان وإفلاتها من أسطورة الردع الإسرائيلي والتفوق القتالي ،فقد خسرت معركتها في جنوب لبنان أمام مقاومة حزب الله اللبناني فاضطرت إلى الانسحاب من جنوب لبنان ثم عندما قصدت الحفاظ على موازين قوتها والانتقام من حزب الله في العام 2006 م من خلال عمليات توغل بري محدود ،خسرت إسرائيل المعركة من جديد لتتضاعف بذلك هزيمة جيش الاحتلال ،ثم جاء عدوانه على غزة في العام 2008 ليبحث عن ترجيح جديد لميزان القتال وليس القوة التي يمتلكها هو أصلا ،فعجز عن تحقيق انتصار برغم ما استخدمه من أسلحة محرمة وقنابل مخصبة عندما اعتقد أن الهجوم البري المغطى بسلاح الجو المقاتل والطائرات المقاتلة سيوصله الى النصر .. ولكنه اصبح نقطة سوداء من جديد في سجل الساسة والعسكريين ويلجأ إلى التحقيق الداخلي لمعرفة الأسباب حتى يتمكن من تجاوز سلبياتها ،لكن كانت الفاجعة عندما عجز في نوفمبر القضاء على صواريخ المقاومة بل على العكس تماما زاد مداها بدلا من الوصول إلى جنوب إسرائيل تجاوز وسطها وعاصمتها إلى شمالها وهو الأمر الذي لم تتعرض له الدولة المحتلة من أية جهة فلسطينية بل تعرضت لعدد من الصواريخ في عاصمتها في حرب الخليج الثانية عندما أطلقها نظام صدام حسين كردة فعل على التحالف الغربي ، لقد قضى الإسرائيليون أكثر من أسبوع في الملاجئ الحصينة والقلاع تحت الأرض وتعطلت أعمالهم لغياب الأمن وبالتالي زادت خسائر الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعاني من تباطؤ أصلا ،فزادت أزمته وأخذت الإضرابات من العمال والممرضات بل حتى العاملين في الصحف مثل (معاريف) مطالبين بزيادة الأجور ،وأكثر من ذلك بدأ هروب العديد من رؤوس الأموال اليهودية خوفا من الوضع الأمني ،كما أخذ العديد من اليهود الذين قدموا إلى إسرائيل من أوطان أخرى في العودة إلى أوطانهم الأصلية ،لم تتمكن إسرائيل من حسم الصواريخ بل حتى نظام القبة الصاروخية الإسرائيلية الذي تتباهى به إسرائيل وبرغم سعيها الحثيث لتطويره أثناء الحرب بإضافة بطارية جديدة عملت على تركيبها امرأة حبلى كما أشارت الصحف الإسرائيلية إلا أن الحقيقة هي أن القبة استطاعت اعتراض نحو ثلاثمائة وخمسين صاروخا من أصل تسعمائة صاروخ أطلقتها فصائل المقاومة ،بكلمة أخرى فإن كفاءة القبة الصاروخية لا تتجاوز 35% بصورة كلية في أحسن الأحوال .بيد أن أكبر معتركات الخسران الإسرائيلي كانت على الصعيد الدبلوماسي الذي هيأ الأجواء للحصول على دعم الجمعية العمومية للأمم المتحدة لتصبح فلسطين دولة مراقبة غير عضو برغم الجهود الإسرائيلية والأمريكية ،بل الاعتراض الغربي الذي أخذ يعلو صوته على التوسع في بناء مستوطنات جديدة والذي بلغ درجة تهديد بريطانيا وفرنسا بإجراء دبلوماسي ضد إسرائيل حال حدوثه .والمعترك الثاني الذي خسرت فيه الدولة المحتلة هو عدم قدرتها على الغزو البري للقطاع بما جدد تحقيق تفوق العقيدة القتالية الفلسطينية في قتال الالتحام البري المباشر . حاشية : إن عودة خالد مشعل وقادة حماس إلى قطاع غزة التي عدها هو في كلمته في الاحتفال بالذكرى ربع القرنية لقيام حركة حماس تدشينا لحق العودة لكل الشعب الفلسطيني ،ووعوده لكل الأسرى بالقسم المغلظ بتحريرهم على طريقة مبادلة جلعاد شاليط بمئات الأسرى ،والدعوة المشددة لتوحيد القوى الفلسطينية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية ،بل التلميح بعدم الاعتراف بحدود العام 1967 م والوعد بعودة اللاجئين من فلسطيني الشتات ،مقروءاً مع بدء عودة الكثيرين من اليهود المستقدمين إلى الأرض المحتلة إلى بلادهم يوحي بتغيرات دراماتيكية إستراتيجية في مسار الصراع العربي الإسرائيلي.