في مصر تَغَيّرَ نوع الأخبار الصادرة منها... لن يكون الخبر خبراً في مصر اليوم إلا إذا كان اعتصاماً أو اشتباكاً لفظيّاً أو بدنيّاً أو ناريّاً، حتى بلغت الحالة بشعبان عبد الرحيم (شُعبلا) أنْ يقول في مطلع آخر فيديو كليب له: مبروك يا اسرائيل ومبروك يا امريكان، ادى احنا بقينا زي العراق والسودان ، اييييه! أتى خبرٌ من مصر ليس خبراً بمعاييرها الآنيّة، فقد رحل عنها موسيقارها الخصيب عمّار الشريعي الذي وضع بصمة موسيقية في كل أُذنٍ عَرَبيّة من طرابلس الشرق إلى طرابلس الغرب، فإن لم تكن بصمة موسيقى بحتة أو صوت غنائي فستكون بصمة موسيقى تصويريّة لمسلسل تلفزيوني أو فيلم سينمائي، فقد كان المرحوم ثريّاً يملك خزائن من التُحَف والمشغولات الذهبيّة في التأليف الموسيقي! عمّار الشريعي بالتركيبة السكانيّة لمصر من أبناء الوجه القبلي ، فهو يتحدّر من سمالوط بمحافظة المنيا... لكنّه في مُخرجاته الموسيقية هو من الوجه البحري والوجه القبلي والساحل والواحات ومن البحر والنهر والمحيط والخليج، تعشق موسيقاه كلُ أُذن تهوي أفئدتها إلى الشرق ولا تأبى الغرب! وُُلِدَ عمّار الشريعي مكفوفاً لكنّه لا يُذكرُ في قائمة المُعاقين ، فقد تّخرجَ قبل اثنين واربعين عاماً من كليّة الآداب جامعة عين شمس قسم اللغة الإنجليزية مع المُبصرين وكان من أشهر الناطقين بلغاتٍ ثلاث: العربيّة والانجليزية وبلغته الأم: اللغة الموسيقية! كان عمّار ساخراً حتى على إعاقته، ففي ذات مرّة كان داخل بلاتوه التصوير فانقطع التيار الكهربائي فجأة وهو ما لا يحدث عادة، فارتبك الحضور والعاملون، وعندها سمعوا صوت عمّار الشريعي يخاطبهم في الظلام: في حد عايزني أوصله! عمّار الشريعي موسيقار بدرجة غوّاص في بحر النغم، أصدر لكبار الفنانين عبد الحليم حافظ وفيروز البومات بأشهر أعمالهم، وللسيّدة أم كلثوم سلسلة ألبومات بمعالم طريقها تحت عنوان: يا سلام يا ست... فَمَنْ هو هذا الفنان الذي تثكله أُمّه لشروعه في السلام على موسيقار غَاصَ في بحر النغم، فيصدر ألبوماً بعنوان : عَمَار يا عَمّار، بعد أنْ بَطَلَ مفعول عبارة عَمَار يا مصر!!