عيساوي: البيضة والحجر    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    ماذا قال دكتور جبريل إبراهيم عن مشاركته في مؤتمر مجموعة بنك التنمية الإسلامي بالرياض؟    الصليب الأحمر الدولي يعلن مقتل اثنين من سائقيه وإصابة ثلاثة من موظفيه في السودان    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    انجاز حققته السباحة السودانية فى البطولة الافريقية للكبار فى انغولا – صور    والي الخرطوم يصدر أمر طواريء رقم (2) بتكوين الخلية الامنية    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالفيديو.. في مشهد خطف القلوب.. سيارة المواصلات الشهيرة في أم درمان (مريم الشجاعة) تباشر عملها وسط زفة كبيرة واحتفالات من المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثيقة كمبالا صدمة كبيرة هزت الثقة بين القوى السياسية
نشر في الرأي العام يوم 07 - 02 - 2013


حاوره : فتح الرحمن شبارقة- تصوير: إبراهيم حامد:
ببساطة سودانية آسرة، جاء يحمل (صينية غداء) استطاع أن يضعها بصعوبة وسط أكواب الشاي والقهوة التي تقاسمنا شُربها بمنزله في الخرطوم (2) أثناء إجرائنا لهذا الحوار المطول في الأيام الفائتة. فالحوار
مع علي الريح السنهوري، عضو القيادة القطرية وأمين سر قطر السودان بحزب البعث العربي الإشتراكي، وإن شئت الاختصار، زعيم حزب البعث، يكتسب قيمته هذه الايام من موقف حزبه الذي يبدو للوهلة الأولى -على معارضته- متماهياً مع موقف المؤتمر الوطني الحاكم فيما عُرِف ب (ميثاق الفجر الجديد).. فرغم ما بين الحزبين من خلافات حادة، إلاّ أنّ كليهما يعتبر ذلك الميثاق عملاً تفتيتياً ولد ميتاً فيما يبدو.
ولاستجلاء موقف(البعث)من ميثاق كمبالا، طرحت عليه «الرأي العام» العديد من التساؤلات التي أجاب عليها السنهوري برؤية واضحة، ومختلفة فيما يبدو عن موقف المعارضة، والحكومة التي هاجمها مثل (فجر كاذب) كما سنرى.. فقد قدّم بنبرته الهادئة، إفادات أشعلها بينما كان يطفئ أكثر من سيجارة قبل نهاية الحوار:
*ما هى قراءتكم ابتداءً لما تم في كمبالا أخيراً من توقيع على ما عُرِف بميثاق (الفجر الجديد)؟
- ما جرى في كمبالا كان مبادرة مقدرة من عدد من الأحزاب السياسية التي أرسلت ممثلين عنها للحوار مع الجبهة الثورية أو تحالف كاودا لتوحيد الرؤى حول وثيقة البديل الديمقراطي التي أقرّتها قوى الإجماع الوطني، وكانت القضية الأساسية في هذا الموضوع هي إقناع هذه الحركات بأن تأخذ نهجاً ديمقراطياً سلمياً في الصراع، وبالتالي تتوحّد قوى المعارضة في مواجهة نظام الإنقاذ. فوجئت العناصر التي ذهبت إلى كمبالا بوجود ميثاق جاهز معد للتوقيع، فلم يوقع عليه إلا عدد محدود جداً، والآخرون كان لأكثريتهم رأي وعادوا للسودان وللأسف تم اعتقالهم.
فوجئنا وفوجئت كل القوى السياسية بإعلان ميثاق يجمع بين تحالف كاودا وقوى الإجماع الوطني، واطلعنا على هذا الميثاق في (النت)، وهذا مثّل صدمة كبيرة للقوى السياسية ويهز الثقة في التعامل فيما بينها لأنه يمثل خروجاً كاملاً على أسس العمل السياسي المشترك. فأحد هؤلاء العناصر وقّع باسم قوى الإجماع الوطني، وهو ليس جديد على العمل السياسي ويعرف تقاليد العمل السياسي المشترك.
=مقاطعة=
* هل تقصد المهندس الشيوعي صديق يوسف؟
- بدون أسماء، فالذي وقّع باسم قوى الإجماع لا يحق له على الإطلاق أن يوقع باسمها، قوى الإجماع الوطني لديها آليات في إجازة الأوراق والوثائق وقد استغرق منها إعداد برنامج البديل الديمقراطي شهوراً طويلة لأن هذه الوثيقة نوقشت في الهيئة العامة لقوى الإجماع الوطني، ثم نُوقشت في قيادات الأحزاب، ثم نُوقشت في ثلاثة اجتماعات لرؤساء الأحزاب إلى أن تمت إجازتها مع تحفظ هذا أو ذاك من الأحزاب على هذه أو تلك الفقرة، وكانت تُشكل إلى حد ما الحد الأدنى المشترك، لأنّ العمل السياسي عندما تشترك فيه أحزاب متعددة يصل الجميع إلى الحد الأدنى وما هو أعلى من الحد الأدنى يُترك لكل حزب على حدة ليعبر عنه من خلال منبره المستقل. فكان واجب هذا العنصر إذا كان هو مخولاً من حزبه بالتوقيع أن يوقع باسم حزبه، وإن لم يكن مخولاً من قِبل حزبه أن يوقع بصفته الشخصية، ولكن أن يوقع باسم قوى الإجماع الوطني فهذا انتحال لصفة لا يمتلكها واستخدام لصلاحية لم تعط له فهو غير مخول بالتوقيع.
الأسوأ من ذلك، أن هذا الشئ قد تم إعلانه وذهب إلى أجهزة الإعلام داخل وخارج السودان، وكل القوى داخل وخارج السودان وعلى رأسها نظام الإنقاذ كانت تعرف حق المعرفة إن قوى الإجماع الوطني لم توقع على هذا الميثاق ولكنها استغلت توقيع هذا الشخص للترويج لهذا الميثاق بهدف إشانة سُمعة قوى المعارضة، ولا تزال عملية الترويج مُستمرة لهذا الميثاق وكأنما قوى المعارضة أو قوى الإجماع الوطني طرف فيه وهي ليست طرفاً فيه. بل أن هناك تأكيدات من جهات أجنبية عندما ينفون علاقتهم بما دار في كمبالا يقولون: (ليست لنا علاقة بهذا الميثاق الذي وقعت عليه قوى الإجماع الوطني وتحالف كاودا).
* لاحظت أنك تقول تحالف كاودا وليس تحالف الجبهة الثورية كما يتردّد إعلامياً؟
- هم تحالف كاودا، والثورية هذه كلمة كبيرة شوية، فالثورية لا تلتقي مع الجهوية والقبلية والعنصرية والتفتيت والتخلف والارتباط بالأجنبي، فالثورية هي تغيير الواقع في الاتجاهات الصحيحة، اتجاه الاستقلال والسيادة والوحدة الوطنية والتقدم الاقتصادي والعدل الاجتماعي، أي تغيير الواقع نحو الأفضل وليس شده نحو الخلف وقوى التخلف.
* عندما تقول إن الحكومة تحاول إشانة سمعة قوى الإجماع الوطني بالحديث عن توقيعها على ميثاق (الفجر الجديد)، فأنت تقر بأن ذلك الميثاق هو عمل سياسي مُشين؟
- نحن أعلنّا منذ اللحظة التي اطلعنا فيها على هذا الميثاق في الشبكة العنكبوتية وكان أول إعلان يصدر من أي حزب إن هذا الميثاق مرفوض جملةً وتفصيلاً، وأنه يشكل خطراً على وحدة البلاد وسيادتها ومستقبلها وقيمها وهويتها.
* دعنا نحرر الخلاف بينكم والموقعين على ميثاق (الفجر الجديد)، خاصةً وأن موقفكم هذا سيغضب منكم بعض من هم في عداد حلفائكم؟
- لاحظنا أن أغلبية قوى الإجماع ركّزت على الجانب الإجرائي، أي أن هذه العناصر التي وقعت غير مفوضة وحتى سفرها لم يكن بتخويل من قوى الإجماع الوطني، فقوى الإجماع الوطني لم تجتمع وتقرّر بأن يذهب فلان أو علان، فقد كانت مُبادرة ونحن نثبت أننا لا نرفض المُبادرات أو الحوار مع أي قوى سُودانية بصرف النظر عن رأينا فيها، فنحن مع الحوار وبرنامج البديل الديمقراطي مطروح للجميع بما في ذلك المؤتمر الوطني وتحالف كاودا، فمن يوافق على هذا البرنامج له الحق في أن يكون جزءاً من قوى الإجماع الوطني.
* إذا تجاوزنا ما هو إجرائي، ما هي حيثيات الخلاف الأخرى مع وثيقة (الفجر الجديد)؟
- إذا تجاوزنا ما هو إجرائي، فنجد بعض القوى تحدثت عن تهديد الميثاق لوحدة البلاد، وعبرت عن رفضها للاستنصار بالأجنبي، وبعض القوى عبرت عن أن هذا الميثاق تطاول بالفترة الانتقالية لسلطة غير مخولة من الشعب، والقوى القومية والبعثيون بشكل خاص طرحوا رأياً متكاملاً حول هذا الميثاق، وهو أولاً.. رفض التحالف مع أية قوة تستخدم نهجاً في النضال يختلف عن نهج قوى الإجماع الوطني، فلا يلتقي من قرر أن يناضل نضالاً سلمياً مع من يحمل السلاح، وهذا افتراقٌ كبيرٌ جداً.
* هو افتراقٌ في الوسائل فقط فيما يبدو؟
- هذه ليست مسألة تتعلق بالوسائل، فمن يناضل نضالاً سلمياً يستند إلى قاعدة الجماهير الشعبية في السودان. أما من يحمل السلاح يعتمد على قواعد خارجية، والآن حَمَلَة السلاح موجودون في كمبالا أو في جوبا أو أسمرا أو غيرها من العواصم، فهم موجودون في السودان وبالتالي يتكئون على قوى خارجية، ومن يتكئ على قوى خارجية ويعتمد عليها في التسليح وتوفير الدعم اللوجستي من حركة وإقامة وغيره لابد أن يتناغم ويتماهى مع أهداف القوى الساندة، وبالتالي ترتبك عنده الأجندة الوطنية. أما من يقاتل من الداخل فهو لحد كبير غير خاضع للضغوط الخارجية وبالتالي يعتمد على إرادة الشعب السوداني.
* ذكرت أول حيثيات الاختلاف مع ميثاق (الفجر الجديد)، ماذا عن الأسباب الأخرى؟
- ثانياً.. هذا الميثاق ميثاق تفتيتي، وهذه أخطر نقطة في هذا الميثاق. ويتحدث الميثاق عن دويلات إقليمية ويقسم السودان إلى دويلات، ونحن بلد موحد والوحدة بالنسبة لنا ليست مجرد شئ عاطفي أو مجرد مبادئ، فالوحدة ضرورة للحياة وللتقدم، ولأن السودان بلد متخلف، يحتاج إلى تحشيد إمكاناته وقدراته لمواجهة تحديات التخلف والتبعية، فهو بلد لم تكتمل وتنضج فيه عملية التدامج الوطني. يحتاج للوحدة الوطنية لإكمال هذه العملية، وليس للرجوع إلى الخلف، ففي كل التاريخ لا توجد بلد موحدة قررت أن تتراجع للتفتيت، وفكرة الأقاليم الستة أو الثمانية لا فرق، وحكام هذه الأقاليم يُشكِّلون المؤسسة الرئاسية ومجلس الوزراء فهذه تعني قيام إتحاد كونفيدرالي.
* ولماذا الأقاليم برأيك؟
- هذه الفكرة كان يمكن أن تكون معقولة إذا كانت العلاقة بين شمال السودان وجنوب السودان، لأنه على الأقل الجنوب يشكل وحدة متمايزة عن الشمال، وبالتالي مقبول أن يكون هناك نظام فيدرالي بين جنوب السودان وشمال السودان ولكن إذا نظرت إلى أقاليم السودان تجد أنه لا يوجد إقليم لديه خصوصية ثقافية تميزه عن بقية أقاليم السودان بحيث يشكل كيانا قائما بذاته، فهذه الحدود المرسومة هي حدود إدارية للعمل الإداري وليست حدوداً ثقافية أو سياسية بحيث أنها تُرسّم بالمتر والسنتمتر وتحدد ثروة وموقع كل إقليم، ومسألة الأقليم وإنشاء دويلات إقليمية خطيرة وتتماهى مع مخطط إمبريالي صهيوني معلن منذ العام 1973م لتقسيم السودان إلى دويلات يحكمها إتحاد كونفيدرالي بحيث تكون دويلات ضعيفة يسهل إختراقها ويسهل تكريس واقع التخلف فيها.
*.......؟
- نحن لدينا تجارب مثل تجربة الحكم الإقليمي التي أنشأها المرحوم جعفر محمد علي بخيت والتي أدت لتداعيات سيئة في حينها، ثم تجربة الحكم الفيدرالي القائمة الآن التي أنشأتها الإنقاذ والتي ظهرت نتائجها بشكل جلي وواضح في إمتصاصها لكل الفوائض المالية التي كان ينبغي أن توجه للتنمية والخدمات، وفي ذات الوقت نقول إن كلتا التجربتين سواء أكانت الحكم الإقليمي أو الفيدرالي لم تؤدِ إلى تنزيل السلطة إلى الشعب وإنما استقطبت نخباً من هذه المناطق إستفادت من هذا النوع من الأنظمة الجديدة بينما إزداد الشعب إفقاراً، والأنكى من ذلك أنها أثارت النعرات الجهوية والقبلية التي لم تكن قائمة حتى في العهد الإستعماري، ففي عهد الإستعمار شعبنا كان يرفض الجهوية والقبلية ويؤكد على الوحدة الوطنية. ونحن نعتبر إن فكرة الأقليم هى أخطر تحدي يواجه سودانا اليوم، والإشكالية الأخرى التي تواجه القوى الوطنية والقومية التقدمية في السودان هى ان بعض القوى السياسية خارج تحالف كاودا والنظام تتماهى مع هذه الفكرة، فكرة تقسيم السودان إلى دويلات إقليمية وهذا شىء خطير جداً ولذلك التيار الوطني والقومي التقدمي واجه هذه المسألة بصلابة.
*هل تشعرون بأن هذا الميثاق يمثل خطراً على مسألة هويتنا السودانية؟
- سآتي إلى الحديث عن الهوية، لكن أود أن أقول قبل ذلك في مسألة التفتيت إن التيار الوطني والقومي التقدمي يشعر ولديه دلائل كثيرة على أن نظام الإنقاذ وبعض القوى السياسية السودانية وتحالف كاودا، هم إما متواطئون مع مخطط تقسيم السودان ، أو متماهين مع هذا المخطط إرضاءً للغرب، أو متحسبين لإحتمال أن يفرض عليهم هذا المخطط من الغرب ويريدون أن يمهدوا الطريق لهذا المخطط من خلال الترويج القوي لمسألة ميثاق ما يسمى بالفجر الجديد، هذه الأطراف الثلاثة ضالعة في هذا الشىء ولدينا سابقة هي مقررات مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية الذي أقر حق تقرير المصير، فقد روج النظام لهذه المقررات التي مهدت له الطريق لأن يضمن حق تقرير المصير في اتفاقية نيفاشا التي عارضناها منذ يومها الأول وقلنا إن حق تقرير المصير سوف يؤدي إلى تشطير السودان وانفصال الجنوب وهذا ما حدث. والآن تتكرر ذات التجربة المأسوية سواء كما أسلفت بتواطؤ أو تماهي أو تحسُب للخضوع لهذا المخطط لذلك قررنا أن نقاوم هذه المسألة بكل امكانياتنا.
*وماذا عن المخاوف على الهوية.. هل لمستم أي تأثير محتمل عليها بسبب الميثاق؟
- هذه هي المسألة الثانية، ونحن أعطينا الأولوية لموضوع التفتيت لأننا نعتبر قضية التفتيت هي الأولى فنحن نريد أول شىء أن نثبت وجود السودان، ثم نثبت هويته. لأن المعركة أثبتت انها معركة وجود، وهوية السودان ليست موضوع نقاش فهي هوية عربية إسلامية والإسلام مكون أساسي للشخصية الوطنية السودانية، والإسلام ليس مجرد دين نظري متعلق بالجوامع أو حتى العبادات، فالإسلام جزء من نسيج المجتمع السوداني، فالإنسان منذ أن يولد ويختن ويتزوج ويموت ويرث يمارس كل أفعاله طبقاً للإسلام، والإشكالية هنا أن النظام المرفوض من قِبل أوسع الجماهير رفع شعارات العروبة والإسلام فأستغلت قوى التفتيت والقوى المتماهية مع الإمبريالية والصهيونية هذه الشعارات لتحويلها لذريعة لرفض الهوية الوطنية السودانية، بينما هذا النظام الآن يتحدث عن أنه يريد أن يطبق الشريعة أي أنها غير مُطبقة. فهو نظام يرفع شعارات الإسلام كغطاء لبرنامج الرأسمالية الطفيلية ولبرنامج قوى التخلف، فالإسلام الحق يمثله الثوريون، فالإسلام ثورة ولا يفهم الإسلام إلا الثوريون، أما قوى التخلف فهي لا تفهم الإسلام بل تسىء له وتسىء للعروبة.
* لكن هنالك غبشاً في مسألة الهوية السودانية فالذين في كمبالا ينظرون إليها من زواية رؤية مغايرة تماماً؟
- نحن نقول إن السودان بلد ذو هوية واضحة، ومع ذلك نُقِر بأن على الدولة أن تحمي وترعى حقوق الأقليات الأخرى الدينية أو غير الدينية. ولكن استخدام تعبير (شعوب وقوميات) الذي ورد في وثيقة ما يسمى بالفجر الجديد هي غير مطابقة للواقع. ونحن طرحنا رؤية واضحة جداً للتعددية في السودان، وقلنا إن السودان بلد الثقافة العربية هي الثقافة العامة فيه والإسلام هو دين الأكثرية الساحقة من أبناء السودان وهو المكون الأساس، ومع ذلك على الدولة أن ترعى الثقافات الوطنية السودانية لأنها إرث ضروري وموجود وهناك شرائح من المجتمع تعبر عن هذا الإرث بكل أبعاده، لكن الإقرار بحق الأقليات في التعددية الدينية والثقافية لا يعني إنكار حقيقة إن السودان بلد ينتمي إلى الثقافة العربية والإسلامية، فدعاة التعددية لم يُقدِموا لنا مشروعاً حول ماهية هذه التعددية الدينية والثقافية، فهم يتحدثون عن ديمقراطية التعليم وحق المواطن في أن يتعلم باللغة التي يريد والطريقة التي يريد، فأية لغة؟!.
* هم يتحدثون عن اللغات المحلية بالطبع؟
- لدينا تجربة واضحة جداً هي تجربة جنوب السودان، فالحركة الشعبية لتحرير السودان كانت ترفع هذا الشعار، شعار التعددية الثقافية والسودان الجديد، وكان المتحدثون منهم يقولون للدينكا لغة وللنوير لغة وللشلك لغة وللاتوكا لغة وإلى آخره، وكنا نتوقع عند قيام دولة الجنوب أن تعتمد هذه اللغات بإعتبارها هي التي تُشكل الثقافة العامة للجنوب أو اللغة العامة، علماً بأن مختلف القبائل الجنوبية تتواصل باللغة العربية (عربي جوبا)، وأن الراحل جون قرنق قال إن اللغة العربية هي لغة السوق ونحن ليس لدينا موقف ضد اللغة العربية لكن ما حدث في الجنوب هو إحلال اللغة الإنجليزية محل اللغة العربية، فاللغة الإنجليزية هي لغة النخب وليست لغة الشعب في الجنوب...
=مقاطعة=
* هل تريد أن تقول إن الحديث عن التعددية الثقافية هي شعار حق أريد به باطل؟
- نعم.. هذا الاعتماد للغة نُخب ضيقة يُعبر عن عقلية استعلائية وعقلية وصاية على شعبنا في الجنوب، ولكن الجنوب قد ذهب، والصراع الحضاري قائم لأن اللغة العربية لم تنتشر في الجنوب بقرار من دولة ما، بل بالعكس كانت محاربة في العهد الإستعماري والجنوب كان إحدى المناطق المقفولة ومع ذلك انتشرت اللغة العربية والثقافة العربية في الجنوب، والآن الجنوب قد انفصل والشمال لا يواجه مشكلة حقيقية في موضوع الهوية، إذاً التركيز القوي على موضوع الهوية يخفي اتجاهاً لطمس الثقافة العربية الإسلامية سيما وإن التعليم في كاودا يجري وِفق المنهج الكيني وليس وفق المنهج السوداني، رغم ان الآن التعليم في الجنوب يجري وِفق المنهج السوداني كمرحلة انتقالية، فإعلاء منهج التعليم الكيني على المنهج السوداني الهدف واضح من ورائه وهو طمس الثقافة العربية والإسلامية واصطناع ثقافة أجنبية هي ثقافة استعمارية.
* بعض الموقعين على وثيقة كمبالا ينظرون إلى الثقافة العربية والإسلامية بوصفها ثقافة إستعلائية، وربما ينظرون إلى حديثك من هذه الزاوية؟
- نقرأ من بعض الناس الذين يكتبون على الشبكة العنكبوتية أنهم يرفضون الثقافة العربية والإسلامية لأنها ثقافة استعلاء ولأن العرب والمسلمين قد مارسوا في وقت ما الرق.. حسناً نحن لا نريد أن نغالط في هذه المسألة ضمن سياقها التاريخي، ولكن الجريمة الأكبر مارستها القوى الغربية، ولو كنت ترفض الثقافة العربية والإسلامية بدعوة الاستعلاء والاسترقاق، فالغرب الاستعماري والإنجليزي بشكل خاص هو الذي مَارَسَ الرق على نطاق عالمي، واسترق ملايين من المسلمين من غرب أفريقيا مات نصفهم في عرض البحر والنصف الآخر أُستُرِقوا في أمريكا الشمالية وجزر الكاريبي وأمريكا الجنوبية، وهم الذين مارسوا ولا يزالوا يمارسون الاستعلاء والإضطهاد للأفارقة وللعرب ولكل شعوب العالم إلى يومنا هذا، فكيف نستبدل قوى الاستعلاء الحقيقية بمن هم قد يكونوا مارسوا بعض الممارسات اللا إنسانية في وقتٍ مُعيّنٍ بمُشاركة من سلاطين القبائل الجنوبية؟!، فهذا منطقٌ مردودٌ. والأنكى من ذلك أن بعض هذه القوى لها مكاتب وجسور مع الكيان الصهيوني الذي اعتبرته الجمعية العمومية للأمم المتحدة، اعتبرت الدعوة الصهيونية دعوة عنصرية عدوانية، فإذا كنت تحارب الاستعلاء والظلم والإضطهاد، فكيف تضع يدك في يد المُضّطهِدين الحقيقيين الذين فاقت ممارساتهم الممارسات الفاشية والنازية؟!.
نواصل،،،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.