لا تعجب سيدي القارئ وأنت تخرج إلى العمل أو الحياة اليوم أن ترى العجيب الغريب ،ولا تعتبر أزياء الشباب والشابات الذين من حولك قد تصادفت ألوانها هكذا عفو الخاطر،فسترى اللونين الأسود والأحمر هما اللونان السائدان في ملبوسات الشباب والشابات اليوم ،وإن كنت أنت منا معشر الرجال ،فسأوسع لك من دائرة الألوان لأننا متهمون من دون النساء بعمى الألوان فقد ترى مثلي الأحمر والكبدي والقاني والطوبي بمثابة اللون الواحد ،لا عليك المهم في الأمر إن هذا الزي شبه الموحد هو لأمر مقصود ،ولعيد يسميه هؤلاء الشباب (عيد الحب) ،يحتفلون به وينتظرونه بفارغ الصبر عاماً إثر عام في كل يوم مثل هذا اليوم من شهر فبراير بالتقويم الميلادي ،ومرد ومنشأ هذا العيد هو القديس فالنتاين الذي رخص للشباب أن يتخلص من كل قيود الكنيسة وقتها والمجتمع في أن تجمع بين كل شاب وشابة علاقة غير رسمية (عاطفية ) باعتراف الكنيسة نفسها من خلال هذه المناسبة التي اعتبرها العشاق عيداً خالصاً لهم ويوماً يحتفى به لأكثر من أربعمائة عام ،وشبابنا الذين لا يعبئون كثيراً لا بأصل الحكاية ولا فصلها ،كل ما يهمهم من الأمر أن يفعلوا الطقوس ويلبسوا اللبوس ،ويحتفلون كل على طريقته التي لا تتجاوز أبداً الشخصين المحتفلين من حيث الحضور ،إذن كل شاب خرج مرتدياً الزي إنما خرج للتعبير عن احتفاله بهذه المناسبة ومشاركته شخصاً آخر في هذه الفرحة الغامرة ،والفالنتاليون هؤلاء ،لا يكتفون بأن يعيشوا أجواءهم هذه ويتباهوا ويفاخروا بها ،بل يعتبرون من لا يعتقد اعتقادهم ولا يعيره اهتماماً احتفالياً ،يعتبرونه ساذجاً ،وغير متحضر وغير مواكب للتقنية والتطور ،لكن يظل السؤال قائماً :أي عيد هو هذا الذي يحتفل به ؟وهل يستحق أن يكون بهذه الأهمية؟ فإن كان العيد عيد حب ،فأي حب ذلك الذي نعنيه بهذا الاحتفال ؟هل هو الحب المطلق الذي هو إشاعة للحب بين الناس _كل الناس _ وإطلاق للمشاعر الإنسانية السمحة واندياح للابتسامة في وجوه الناس ؟لا ليس هذا؟هل هو الحب الأسري الذي يشمل العلاقات الأسرية المستقرة والمرحة ،هل هو الحب بين الوالد وأبنائه والأم وأبنائها وبناتها؟هل هو الحب بين الأخوة والأخوات في البيت الواحد ؟وإن لم يكن ذلك كذلك فأيهما أولى بالاحتفال وترسيخ ثقافته :الحب الأسري أم الحب الفالنتايني؟ثم إن الحب الذي هو بين شاب وشابة ولو افترضنا عذريته ومصداقيته وبأنه طريق مؤدية إلى الزواج والاستقرار الأسري،فهل من المنطقي أن يكون لجميع المشاعر والعواطف والأحداث بين المتزوجين أو غير المتزوجين على السواء تاريخ واحد يشملها أم أن لكل خصوصيته وذكرياته وأحداثه ومناسباته العاطفية التي تخصه ؟فالزوجان مثلاً أولى أن يحتفلا بعيد زواجهما أو موعد لقائهما الأول أوحتى تاريخ خطوبتهما الذي لا يصادف يوم الرابع عشر من فبراير بكل تأكيد. حاشية: أما آن لشبابنا المغلوب على أمره ،أن يثور في وجه كل وافد لا ينسجم وعاداته وتاريخه ويستخف حتى بمشاعره ويعمل على قولبتها وتنميطها،وقبل أن يمضي هذا اليوم إسأل الشباب من حولك عن عيد الحب قائلاً:أي عيد وأي حب هو الذي به تحتفلون ،ولا تنتظر الإجابة.