الشجار – أي شجار – هو صورة باهتة من صور الحرب، وإن شئتم فهو تجسيد كاريكاتوري لاختلاف وجهات النظر .. لكنه في مطلق الأحوال منعطف حقيقي في مسيرة الإنسان .. الحر .. العاقل .. المُكلَّف .. المُخيَّر، الحافلة بالصراع بين ما هو كائن وما يريده (هو) أن يكون ! .. موقف الناس من ذلك المنعطف هو الذي يرسم شكل النهاية .. صفعة .. قبلة .. (بكية) .. ضحكة .. أو (صفقة باب) تُنهي علاقة المتشاجرين وتنتهي معها موجبات الشجار ! .. أشهر حادثة شجار زوجي – تحدث في أرقى العائلات – لكنها غيرت وجهة تاريخ العصر الحديث، وغيرت ملامح خارطة الفكر الاجتماعي في القارة الأوروبية كانت تلك التي وقعت بين (نورا) وزوجها (هيلمر) بطلا مسرحية (بيت الدمية) للكاتب النرويجي العظيم ( هنريك إبسن) .. تلك المسرحية الاجتماعية الثورية التي حملت لواء الأدب المسرحي الواقعي!.. ف (نورا) زوجة تكافح في سبيل استقلاليتها وحريتها الاجتماعية، ومساواتها الفكرية بزوجها الذي يقابل كل ما قدمته لإنجاح مؤسستهما المشتركة بالجحود و الهجوم والنكران .. ويتفنن في إظهار يقينه الكامل بأنها (دمية) برأس جميل لكنه فارغ ! .. شجار بطلي مسرحية (إبسن) كان في نهايات القرن التاسع عشر .. وانتهى بخروج (نورا) من بيت الزوجية بعد أن صفقت بابه خلفها .. تلك (الصفقة التاريخية) التي اهتزت لها عروش العقل الأوروبي الجمعي .. وتساقطت على إثرها مسلماته الظالمة بعد أن شاهد مشكلاته الإنسانية معروضة أمامه على خشبة المسرح وشاهد مناقشتها على لسان أبطال (إبسن) الذي انتصر لإنسانية المرأة في عالم يهيمن عليه الرجل .. واحتمل لأجل حقوقها ثورة النقاد ومعارضتهم، وإدانتهم لأفكاره بجريمة كشف أسرار المجتمع المتعفنة التي يصرون هم على أن تبقى في الخفاء ! .. (هنريك إبسن) هو القائل : " .. إن تحويل الظروف الاجتماعية مرتبط إلى حد كبير بالوضع المستقبلي للمرأة .. وتغيير وضع المرأة في المجتمع هو ما انتظره وآمل تحقيقه .. وأسعى إليه بكل ما أوتيت من عزم ! .." وقد حدث وانتصرت مبادئ (إبسن) التي ضمنها في مواقف بطلات مسرحياته (نورا) .. و(هيدا جابلر) .. و(إيليدا) .. اللاتي تحولن بمرور الوقت إلى أيقونات درامية لكفاح نساء القرن التاسع عشر في سبيل (قدر معقول) من الحرية والاستقلالية .. في يومنا هذا ربما كسبت المرأة (الزوجة) معركتها مع تقدير الرجل (الزوج) والشريك .. لكن معركة المرأة (العاملة) مع هيمنة وتسلُّط الرجل (العامل) لا تزال مستمرة، وهي لن تضع أوزارها إلا بشجار (مهني) – هذه المرة - .. شجار تعقبه (صفقة باب) أخرى .. من (نورا) أخرى !