«العقليات الصغيرة تناقش الأشخاص، والعادية تناقش الأحداث، أما العظيمة فتناقش الأفكار».. إلينور روزفلت..! (1) في بلادنا يتملّق الكاتب القارئ بانتمائه إلى طبقة الكادحين وإن لم يكن منهم، وكأن فكره المضئ لابد أن يأتي نتيجة احتراقه في أتون الفقر والعوز.. وتتملّق الأعمال الدرامية المشاهدين بإصرارها على قصر القضايا التي تعالجها التمثيليات والمسلسلات على أزمات الطبقة الكادحة.. حتى باتت سمة المبدع السوداني هي (القشرة) بالفقر ورقة الحال!. قناعة الغالبية الفقيرة في بلادنا الفقيرة هي أن الأغنياء بلا مشكلات حقيقية وأن مجتمعهم المخملي بلا قضايا جديرة بالمناقشة، وأن الغني ميسور الحال شخص غير لطيف وغير طيِّب وبالتالي فهو غير جدير بالعطف.. وتجد أن الكل يميل إلى تصديق أي سوء يقال عنه!. الغريب أن ذات المجتمع الذي يربط الإبداع بالفقر يحترم الثري في إطار كونه صاحب قوة ومنعة مادية وكفى.. أما الإبداع فبحسب فكرنا الجمعي هو جنة الفقراء التي لا يدخلها الأغنياء..! (2) تداولت صحفنا المحلية قبل فترة حكاية موظف دولة متقاعد كان يتردد على أحد البنوك - وهو يرتدي حلة أنيقة غالية الثمن - لسرقة أجهزة الموبايل الخاصة بالموظفين في أثناء انشغالهم بخدمته، وعندما ألقي القبض على سعادة الدبلوماسي السابق اعترف قائلاً من بين دموعه «إنه يسرق لتوفير ثمن الدواء»!.. ولو كنا في أي بلد آخر غير السودان لكان احتمال تصديق رواية «اللص الأنيق» هو صفر في المائة، ولكن الفجوة الهائلة بين مرتب السفير السوداني ومعاش تقاعده تشد من أزر تلك الرواية، وإن كانت لا تُشرعن وقوعها.. هذا ما كان من أمر معاش السفراء فما بالك بالخفراء..؟! (3) لا مجال لتأهيل وإصلاح نزلاء السجون إلاّ بإصلاح مؤسسي داخل إدارات السجون أولاً، إذ كيف يستقيم الظل والعود أعوج ؟!.. سياسات إدارات السجون في بلادنا ومناهج المعاملة بين جدرانها كانت ولا تزال مناخاً مشجعاً على ارتفاع معدلات الجرائم داخل أسوارها، ولو اجتهد بعض المسؤولين، على طريقة المحقق كولومبو واخترقوا جدار الصمت لرأوا عجباً، وكله من ذلك العرف الفاسد/ الخطير (المنفعة المتبادلة التي تحكم علاقة السجين بالسجان)..! ليت وزارة العدل تفتح ملف الطبقية داخل السجون، والمنطق الذي يحكم الحياة بين تلك العنابر والزنازين، وكيف أنّ البقاء بسلام فيها هو للأقوى/ الأقدر على دفع الثمن في مقابل بعض الكرامة التي تكفلها - كاملة حقوق السجناء - في النظم والقوانين والمواثيق الدولية!..