«شقي من لا يحسن الكلام، والأشقى منه من لا يحسن السكوت» .. إبراهيم الكوني! « لا تقلها .. حم حواليها ورفرف .. بذكائي سوف أعرف .. كلمة أحيا عليها وهي عندك .. اتكاءاتي عليها وهي عندك .. فاترك الكلمة عندك .. لا تقلها!..» هذا مقطع من قصيدة لشاعرة تدعو حبيبها الذي ينتهج الثرثرة العاطفية إلى قليل من التعويل على دور الصمت في تطبيع العلاقات العاطفية عوضاً عن الإسراف في صرف العربي، إذ ليس كل ما يُحس أو يُكابد أو يُعلم يقال ..! وعن مثل هذا تقول أحلام مستغانمي «.. إن على المرأة أن تتعلم فنون الإصغاء إلى صمت الرجل الذي تحب، وليس إلى حديثه فحسب .. فهنالك صمت التحدي .. وصمت العشق .. وصمت الألم .. وصمت الهجر .. وصمت التعالي .. عليها أن تجيد التفريق بين صمت الكبار الذي يقاس بوقعه والصمت الكبير الذي يقاس بمدته .. فلئن كانت الدموع هي سلاح النساء فسلاح الرجال هو الصمت! ..» فالعاشق الثرثار مفلس على الدوام، هضابه بور وسهوله جدباء، واستراتيجياته القلبية عرضة للهجوم لأنها مبذولة ومسفوحة ومراقة على أبواب القلوب .. ولئن كان هذا هو حال المعارك العاطفية والسياسات العشقية فما بالك بمعارك الدول وسياسات الحكومات .. ؟! السياسي الثرثار منهك على الدوام بتفصيل التصريحات على باترون الأجندات، ومحاربة طواحين الهواء مثل دون كيشوت بائس .. أو مثل براقش التي لو أطبقت فمها لما جنت على نفسها وقومها .. ف متى يتعلم الساسة في هذا البلد فضيلة الصمت .. ؟! بفضل شيوع مذهب التصريحات الاستفزازية في أدب الخطاب السياسي خلال العقدين ونيف الماضيين، نحن اليوم الدولة الوحيدة ? ربما ? في العالم التي يعتبر الكلام، مجرد الكلام، فعلاً، وفي بعض الروايات إنجازاً ..! لاحظ معي ? مثلاً - كثرة الهوس بالحديث عن التعريب والأسلمة بعد انفصال الجنوب .. التعليم العالي تحدث عن وضع سمات عربية إسلامية في مناهج الجامعات الشمالية .. علماء وفقهاء تحدثوا عن تطبيق الشريعة في القوانين والمعاملات .. مثقفون كثر تحدثوا عن هيمنة الثقافة العربسلامية .. هؤلاء شأنهم شأن ذلك العاشق الثرثار المفلس عاطفياً ..! السودان كان ولا يزال أكثر البلاد الإسلامية تحرياً لتطبيق الشريعة الإسلامية في فقه المعاملات، يكفي موقف الصيرفة السودانية من المعاملات الربوية مقارنة بمعاملات العرب العاربة في بلاد الحرمين .. أما العروبة الثقافية فهي حالنا منذ كنا .. فيم الثرثرة إذاً ..؟!