اترك الكلمة عندك .. لا تقلها! منى أبو زيد [email protected] . إنني أخشى عليها من ملامسة الهواء .. أعطنيها حبةً، حبة .. جرعةً، جرعة .. أعطنيها كالدواء .. ثم قل لي هل عرفت؟! .. هل فهمت؟! .. واعتبر صمتي إجابة .. اعتبرني واعتبرها كالمسافر والسحابة .. حم حواليها ورفرف .. بذكائي سوف أعرف .. كلمة أحيا عليها وهي عندك .. اتكاءاتي عليها وهي عندك .. فاترك الكلمة عندك .. لا تقلها ..! تلك بعض أبيات قصيدة دافئة من أدبيات البوح الأنثوي، لزميلة شاعرة – هي الآن طبيبة - اسمها سارة الخير، كنا نتناقل أبياتها أيام زمالتنا بجامعة الخرطوم .. وهي كما ترى دعوة على استحياء – لحبيب ينتهج الثرثرة العاطفية – إلى قليل من التعويل على دور الصمت في تطبيع العلاقات العاطفية أكثر من الإسراف في صرف العربي .. إذ ليس كل ما يعلم يقال ..! وعن هذا تقول أحلام مستغانمي إن على المرأة أن تتعلم فنون الإصغاء إلى صمت الرجل الذي تحب، وليس إلى حديثه فحسب .. فهنالك صمت التحدي .. وصمت العشق .. وصمت الألم .. وصمت الهجر .. وصمت التعالي .. عليها أن تجيد التفريق بين صمت الكبار الذي يقاس بوقعه والصمت الكبير الذي يقاس بمدته .. فلئن كانت الدموع هي سلاح النساء فسلاح الرجال هو الصمت ..! إن كان هذا هو حال المعارك العاطفية والسياسات العشقية فما بالك بمعارك الدول وسياسات الحكومات ؟! .. العاشق الثرثار مفلس على الدوام، هضابه بور وسهوله جدباء، واستراتيجياته القلبية عرضة للهجوم لأنها مبذولة ومسفوحة ومراقة على أبواب القلوب ..! والسياسي الثرثار منهك على الدوام بتفصيل التصريحات على باترون الأجندات، ومحاربة طواحين الهواء مثل دون كيشوت بائس .. السياسي الثرثار مثل براقش التي لو أطبقت فمها لما جنت على نفسها وقومها .. ف متى يتعلم الساسة في هذا البلد فضيلة الصمت ..؟! بفضل شيوع مذهب التصريحات الاستفزازية في أدب الخطاب السياسي خلال العقدين ونيف الماضيين، نحن اليوم الدولة الوحيدة – ربما – في العالم التي يعتبر الكلام، مجرد الكلام، فعلاً، وفي بعض الروايات إنجازاً ..! لاحظ .. كثرة الهوس بالحديث عن التعريب والأسلمة حال انفصال الجنوب .. التعليم العالي يتحدث عن وضع سمات عربية إسلامية في مناهج الجامعات الشمالية .. علماء وفقهاء يتحدثون عن تطبيق الشريعة في القوانين والمعاملات .. مثقفون كثر يتحدثون عن هيمنة الثقافة العربسلامية .. وكلهم مثل العاشق الثرثار المفلس عاطفياً و– المذكور آنفاً – ..! السودان كان وما يزال أكثر البلاد الإسلامية تحرياً لتطبيق الشريعة الإسلامية في فقه المعاملات، يكفي موقف الصيرفة السودانية من المعاملات الربوية مقارنة بمعاملات العرب العاربة في بلاد الحرمين .. أما العروبة الثقافية فهي حالنا منذ كنا ..! أي أتون ذاك الذي تبشرون بإدخالنا فيه بالإكثار من الثرثرة عن لزوم ما لا يلزم ..؟! عن صحيفة التيار