«ووضع الندى في موضع السيف بالعلا .. مضرُّ كوضع السيف في موضع الندى» .. أبو الطيب المتنبي! في سورة التوبة آية قاطعة بشأن قصر الصدقات الواجبة على بعض الفئات (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) .. الياء في قوله تعالى (للفقراء) هي للملك والاستحقاق، وكذلك حكم سائر المعطوفات التي وردت بعدها ..! ومع ذلك عطَّل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه العمل بحكم هذا النص القرآني عندما منع سهم المؤلفه قلوبهم، وذلك لانتفاء السبب في عهده بحسب اجتهاده ومع ذلك لم يقل أحد السابقين أو اللاحقين أن خليفة المسلمين قد خرج على أحكام الإسلام أو أنه قد أنكر شيئاً من الدين ..! الشيخ القرضاوي من العلماء الذين جوَّزوا مصافحة المرأة، وقد صرح ذات سانحة بأنه ظل يخفي لسنوات فتواه القائلة بجواز مصافحة المرأة عند الاضطرار تجنباً لتشويش (الجماهير) .. المقصودون بمخافة التشويش هنا هم عامة المسلمين من عدم المتفقهين في الدين (وإن كان معظمهم من أولي الالباب الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) .. لذلك سكت الشيخ عن الكلام المباح، ولسنا ندري ماذا فعل الله بحجة الخوف من تشويش الجماهير تلك عندما قرر مولانا أن يخرج عن صمته ..! ليس الشيخ القرضاوي وحده، هنالك شيخ يشار إليه بالبنان زار رئيس مؤسسة النقد، واستمع هناك إلى محاضرة وافية عن الدورة الاقتصادية للأوراق النقدية، أدرك بعدها أن لا علاقة لدورتها بالربا، لكنه قال إنه لا يستطيع مواجهة (الجماهير) بما وصل إليه، وما بات عليه من قناعة ..! الشيخ يخاف من سوء فهم عامة المسلمين لموقفه من مفهوم الربا في ثوبه العالمي القشيب، لكنه لا يرى بأساً في أن يلوذ بالصمت حتى وإن كان صمته خيانة لأمانة الدعوة والتبليغ ..! أما الشيخ عبد الله المنيع رئيس هيئة الرقابة الشرعية في المملكة العربية السعودية فقد وصف بعض أعضاء مجالس إدارات البنوك والشركات علانية بضعفاء الإيمان، كونهم يتعاملون بقروض ربوية .. لكنه عندما سئل في جلسة محصورة عن بعض المصارف الربوية التي تجمع الأموال على أنها للاستثمار في عقود المرابحة الإسلامية ثم تودع في خزائنها كودائع ربوية صريحة، قال إن ذلك جائز شرعاً، ثم طالب سائليه بعدم الخوض بحضور العامة و(الجماهير) في مثل تلك التجاوزات البسيطة ..! نحن في السودان عندنا فقهاء يجتهدون في تعزيز موقف ولاة الأمر أمام العامة بحجج شرعية وبالإسناد إلى مصادر التشريع رأساً، لكنهم في قضية القروض الربوية التي ملأت الدنيا وشغلت النواب ممثلو العامة تحت قبة البرلمان وسودت صفحات الصحف لأيام) ظلوا صامتين .. فهل هم أيضاً خائفون من تشويش (الجماهير) ..؟!