عندما وصف باقان أموم أوكيج، الأمين العام للحركة الشعبية، السودان بأنه دولة فاشلة وفاسدة ومنهارة قبل انفصال الجنوب، كان وقتها يحزم في حقائب الرحيل عن سودان الفشل - برأيه - إلى حيث دولته الجديدة الفاضلة، وقبل أن تطفئ دولة الجنوب شمعتها الثانية خرج باقان للإقرار على نحوٍ نادر بأنّ الحركة الشعبية فشلت في حكم الجنوب، وقال في ندوة عامة بجوبا أمس الأول بعد أن رأي نماذج فصيحة على فشل الحكم، إن الحركة فشلت تماماً في إدارة شؤون البلاد وتحقيق تطلعات الشعب. وأضاف حسب (الجزيرة. نت) أن ضعف البرامج الاقتصادية والأمنية والخدمية هي التي أسهمت وبصورة كبيرة في فشل تجربة الحكم للحركة. حديث الخصوم فشل الحركة الشعبية والحكومة في الجنوب، ارتبط بالخصوم السياسيين للحركة، وظلّ منبر السلام العادل ومهندسه الطيب مصطفى على نحوٍ خاصٍ يردد مثل هذا الحديث فيما كان البعض يسخر منه قبل أن يعترف باقان أموم نفسه بمتلازمة فشل الحركة والحكومة في الجنوب التي ظلّ يتحدّث عنها الطيب مصطفى، وآخرون اكتسب حديثهم مصداقية إضافية لجهة أن التأكيدات جاءت هذه المرة من باقان نفسه. باقان احتاج الرجوع لقاموسه القديم بسرعة لم تدر بذهن أكثر المتشائمين في الجنوب ليستل منه مفردات مثل الفشل وغيرها من الكلمات التي تعكس إحباطه من الواقع في الجنوب.. الجنوب الذي قال ل (الرأي العام) انه سيكون نموذجا مصغرا لسودان جديد بعد فشل مشروع السودان الجديد شمالاً. ولكنه تحدث في الذكرى الثانية للانفصال عن الفساد والمحسوبية والقبلية في الجنوب قبل أن يشير إلى أنّ الحزب سيسعى لمحاربتها. انتقادات علنية وكان باقان، قد انتقد لأول مرة في اليومين الماضيين قرارات سلفا كير التي رفع بمقتضاها الحصانة عن وزيري مجلس الوزراء دينق ألور والمالية كوستي مانيبي وأحالهما للتحقيق في مزاعم فساد مالي بتحويل (8) ملايين دولار إلى الخارج دون تفويض رسمي بذلك، انتقدها بصورة علنية. وقال أموم في مؤتمر صحفي بجوبا إن «القرار يتأسس على دوافع سياسية». وتساءل مستنكراً: كيف يتم التحقيق مع كوستي مانيبي بينما الرجل الذي وقع وحوّل المبلغ طليقٌ؟ واتهم وزير المالية المكلف ماريال بتحويل المبلغ وحذر أموم من مغبة هذه الأفعال التي وراءها دوافع سياسية ومن شأنها تأجيج التوتر القبلي في الجنوب. ويبدو أنّ سلفا كير لا يأبه بمثل هذه الانتقادات كثيراً ويمضي في اتخاذ إجراءات تحكم من وضع خيوط اللعبة في يده، فقد أصدر يوم الأحد الماضي قراراً بإقالة حاكم ولاية الوحدة تعبان دينق قاي دون أن يوضح القرار الرئاسي أسباب إقالة تعبان دينق، لكن موقع «سودان تريبيون» أشار إلى ما تردّد عن أن تعبان دينق وجه انتقادات لسلفا كير واعترض على تمديد ولايته خلال اجتماعات حزب الحركة الشعبية. تنحي سلفا كير وأمس الأول، وجّه د. رياك مشار انتقادات قاسية لسجل الرئيس سلفا كير في أداء مهامه كرئيس للجمهورية، وطالب مشار بالتنحي بعد أن وجه له انتقادات أكثر حدة من تلك التي وجهها باقان. وحث مشار في مقابلة له مع صحيفة (القارديان) البريطانية الرئيس سلفا كير على التنحي وتجنيب البلاد المنافسة على الزعامة. قبل أن يوضح انّه مستعدٌ للنزال. وارتفعت نبرة الانتقادات للأوضاع في الجنوب بصورة واضحة مع الذكرى الثانية للانفصال. وتزداد التكهنات في الجنوب هذه الأيام بإمكانية إقالة الرئيس سلفا كير لنائبه مشار وباقان أموم الذي يسعى بإلحاح لإقامة المؤتمر العام للحركة، وقال يان ماثيو المتحدث باسم الحركة الشعبية إن هناك محاولات يؤسف لها من القيادة لتجنب عقد مؤتمر عام للحركة الشعبية يتم فيه انتخاب قيادة جديدة. حجم الأزمة وتعكس تصريحات سياسيين كبار في الجنوب حجم الأزمة التي تعيشها دولة الجنوب وتفجر الصراع المكتوم بين النافذين فيها على نحو يوشك على حدوث فوضى. وفيما يتوقع لوكا بيونق القيادي في الحركة الشعبية تغيير النظام في الخرطوم، يرى محللون آخرون أنّ الكثير من الحيثيات أصبحت تتوافر في الجنوب الآن بالقدر الذي يكفي للتكهن بانزلاقه لأتون صراع قبلي عنيف. وفي السياق، دعا ديفيد بيل، الأمين العام لحزب جبهة الإنقاذ الديمقراطية المتحدة المعارض بدولة الجنوب الحركة الشعبية إلى تسليم السلطة للشعب حتى يتسنى انتخاب حكومة وقيادة جديدة للبلاد. وقال - طبقاً ل (الجزيرة. نت) - إن حزب الحركة الشعبية الحاكم أعاد إنتاج ظاهرة القبلية في البلاد، وأضاف ان الحل الوحيد لإنقاذ البلاد من تلك الأزمات يكمن في أن يترك الحزب الحاكم السلطة حتى ينتخب الشعب الحكومة التي ستوفر له الخدمات التنموية والأمنية. خلاص وطني من جهته، طالب الحزب الشيوعي بدولة جنوب السودان الحزب الحاكم هناك بضرورة تشكيل حكومة خلاص وطني لإنقاذ البلاد من أزماتها المتلاحقة. وقال الحزب في بيان ممهور بتوقيع سكرتيره العام جوزيف ماديستو إن الحركة الشعبية تعتقد أن بإمكانها الخروج من هذه الأزمة، وأن هذا لن يتم إلا عبر تشكيل حكومة خلاص وطني بمشاركة القوى السياسية وببرنامج يُتوافق عليه. وقال البيان إنّ حكومة البلاد تفتقر لثقافة أداء برامجي جاد وتدير الأوضاع بسياسة رزق اليوم باليوم، كما لم يكن هناك أيِّ تغيير فيما يتعلق بحياة عامة الناس ومازالت قضايا المجاعة والبطالة والأمية وتوفير الأمن والخدمات الأساسية تتناول في حدود تصريحات وخطب المسؤولين دون أن تتنزل على أرض الواقع. وينظر البعض إلى هبة سلفا كير الاخيرة في محاربة الفساد، وتوقيفه للوزيرين دينق ألور وكوستي مانيبي باعتبارها أمراً سياسياً محموداً وضرورياً لانطلاق دولة الجنوب دون تصالح مع الفساد. بينما يرى محللون في الجنوب أن الهدف من حملة سلفا كير الاخيرة هو التخلص من بعض الذين يشكلون له ازعاجاً سياسياً حتى لا ينازعونه القيادة أو يُضعِفون من قدرته على حسم الأمور بالجنوب. ويذهب محللون ? منهم الأستاذ مكي المغربي - إلى أن القرار في دولة الجنوب مثل الشيك الذي يُصرف بثلاثة توقيعات.. التوقيع الأول لسلفا كير والثاني مع باقان ومجموعة السودان الجديد بينما الثالث مع دينق ألور وأبناء دينكا نقوك، وبإبعاد دينق ألور، وربما إبعاد باقان في المرحلة المقبلة ثم تقزيم دور د. رياك مشار يستطيع سلفا كير الإمساك بكل خيوط القرار السياسي في الجنوب بعد تصفية الحسابات السياسية مع خصومه بأساليب من شاكلة محاربة الفساد. ظلال المواجهة إمساك سلفا كير بأوراق اللعبة السياسية في الجنوب قد يكون في مصلحة السودان إذا صح ما تتناقله بعض المراصد الصحفية عن أن سلفا كير مع تنفيذ الاتفاقيات مع الخرطوم وإيقاف دعم المتمردين عليها الذين يجدون الدعم من بعض المتنفذين بحكومة الجنوب وجيشها الشعبي. لكن الناظر لطبيعة تركيبة الحركة الشعبية والتركيبة القبلية في الجنوب، يجد أنه من العسير على سلفا كير على المدى القريب التخلص من منافسيه دون أن تكون هنالك مواجهات عنيفة قد تلقي بظلالها على علاقات البلدين. فمصلحة الخرطوم الحقيقية في حدوث استقرار في دولة الجنوب ووجود حكومة قوية تدرك أهمية التعاون مع الحكومة في الخرطوم لتنفيذ الاتفاقيات الموقعة كاملاً حتى تعود على المواطنين في البلدين نفطاً وأمناً وسلاماً.