مثل وليام روتو نائب الرئيس الكيني بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أمس فى خطوة مفاجئة للكثيرين.. مثول نائب الرئيس الكينى جاء فى سياق سلسلة من الاتهامات الموجهة للقيادات الكينية فى مقدمتها الرئيس الكيني اوهورو كينياتا بجرائم ضد الانسانية، والذى تم تحديد محاكمته فى نوفمبر المقبل فى سابقة هى الأولى من نوعها لرئيس لا يزال في منصبه.. لتنطلق فى الخرطوم جملة من الاستفهامات بسبب تقارب الحالة الرئاسية الكينية السودانية امام منصة الجنائية وتزامن المحاكمات الجنائية للقيادة الكينية فى ذات توقيت اعلان الدول الافريقية اجتماعاها لتحديد موقف من الجنائية بحسب ما كشفت الخارجية السودانية على لسان السفير عبد المحمود عبد الحليم مدير إدارة العلاقات الثنائية بأن القادة الأفارقة اتفقوا على ضرورة عقد قمة طارئة للخروج بموقف قوي ضد الجنائية بما في ذلك الانسحاب الكامل لكل الدول الأفريقية من المحكمة، معتبراً أن ما تواجهه كينيا نوع من الابتزاز المرفوض.. مارس من العام 2009م كان أول بروز للجنائية فى المشهد السودانى من خلال توجيهها لاتهامات للرئيس البشير كأول رئيس يتلقى تهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وهو لا يزال في السلطة، وفى يوليو من العام 2010 كررت المحكمة الجنائية اتهاماتها للخرطوم باضافة تهمة الإبادة الجماعية فى دارفور إلى لائحة التهم الموجهة ضد الرئيس البشير بالاضافة لمولانا احمد محمد هارون والى شمال كردفان حالياً وعلى كوشيب الزعيم القبلى بدارفور. وبعد سقوط نظام القذافى بليبيا أطلت المحكمة بوجهها ووجهت اتهامات فى نوفمبر 2011م ل عبد الله السنوسي رئيس المخابرات الليبية ابان عهد القذافى وآخرين بضلوعهم في مئات من جرائم الاغتصاب بليبيا خلال صراع الاطاحة بالقذافى، كما شهد نوفمبر من العام الماضى إصدار المحكمة الجنائية لمذكرة اعتقال فى مواجهة سيمون جباجبو، الزوجة الأولى، لرئيس كوت ديفوار السابق لوران جباجبو، على ذمة تحقيقات في أربعة اتهامات تتعلق بجرائم ضد الإنسانية أثناء فترة العنف التي أعقبت الانتخابات، وأسفرت عن مقتل حوالي ثلاثة آلاف شخص، كأول امرأة تتهمها المحكمة الجنائية الدولية، لتتشارك مع زوجها لوران جباجبو رئيس ساحل العاج السابق ذات التهم. الجنائية عادت هذا العام للأضواء بقوة بعد تجديد اتهاماتها لأهورو كينياتا عقب فترة وجيزة من تربعه رئيساً على عرش 33 مليون مواطن كينى - بحسب آخر احصائيات متوافرة- بفوزه فى آخر انتخابات جرت فى نوفمبر /مارس الماضى، مدفوعاً بإرث والده جومو كينياتا أبرز رموز حركة التحرر الوطنى الافريقى، لتطالب الجنائية به على خلفية اتهامه بارتكاب جرائم عنف قبلية أدت لمقتل الكثيرين فى عامى 2007م- 2008م، ليلعب التاريخ لعبته المستفزة آنذاك فبدلا عن ذهاب كينياتا الى لاهاى فى يوليو الماضى للمحاكمة، بحسب ما تقرر، خطا أولى خطواته على درجات السلم الرئاسى.. وصول الرجل للقصر الرئاسى الكينى آنذاك، كان له صداه الإيجابى فى الخرطوم لجهة أن منافسه أودينجا كان ولا يزال يرتبط بعلاقات قوية مع كمبالا التى تعد من العواصم المعادية للخرطوم باستضافتها للحركات المسلحة المعارضة لنظام الخرطوم بالاضافة لتاريخ العداء بين العاصمتين احتكر بطولته موسيفينى، وبرر حينها د.ابراهيم دقش الخبير الافريقى ل(الرأى العام) فوز الرجل بثقل تاريخه وإرثه القبلى، الأمر الذى هز موقف المحكمة الجنائية فى القارة. مكاسب الخرطوم من بقاء الرجل رئيساً جاء من زاوية أخرى بقراءة العكس أى حال غيابه من المشهد وبقائه قيد الاعتقال حال سلم نفسه، فأكد السفير الرشيد ابو شامة فى حديثه ل(الرأى العام) أن بقاء كينياتا رئيساً فى كينيا يعد مكسباً للخرطوم، بمنطق أن أدوينجا منافسه على رئاسة كينيا ورئيس الوزراء السابق يعد من اكبر الموالين للجنوب وأبرز المتحيزين لجوبا طوال فترة الصراع السودانى/الجنوبى، بالتالى فإن بقاءه بعيداً عن القصر الرئاسى يبشر بتحسن العلاقات بين الخرطوم ونيروبى، فيما يرى الخبير فى شئون القرن الافريقى محمد طه توكل، ان فوز الرجل سابقاً جاء كرد فعل على موالاة غريمه أودينجا للغرب، وأن سيرته تمتلئ بالمواقف العدائية تجاه السودان والصومال، بشكل غير مبرر، واعتبر توكل فى حديث سابق ل(الرأى العام) أن نيروبى ستستفيد من بقاء الرجل رئيساً لجهة أنها لا تتمتع باى علاقات طيبة مع الدول الافريقية الاخرى بسبب تصريحات أدوينجا ابان عمله كرئيس وزراء، كتلك التى توقع فيها انهيار اثيوبيا بعد رحيل زيناوى بعكس كينياتا الذى وجد الترحيب من كل منطقة خصوصاً فى الشرق الافريقى. مستقبل الجنائية بعد فوز كينياتا جاء مهزوزاً، الا أن تسليمه لنفسه فى ذات توقيت محاولة القادة الأفارقة بلورة موقف تجاهها، أعاد لها بريقاً لم يكن فى الحسبان، واعتبره توكل أمس نوع من المهادنة الكينية تجاه المؤسسات الدولية وفى مواجهة شرعيتها ، الا أن الخبير ابراهيم دقش رجح أن يكون الأمر مرتبطاً بانهاء أى محاولات من المحكمة لممارسة ضغوط على كينيا بفعل رئيسها المطلوب وبالتالى المطالبة بتنازلات ، فيما ذهب ابو شامة الى أن المحكمة لم تتأثر بفوز الرجل بقدر ما حاز الرجل على مزيد من تعاطف القادة الأفارقة بمثل الحالة السودانية ، ما دفعها للتحرك من أجل وضع حد لاستهداف القيادات الافريقية. من جانبه أعتبر توكل أن فوز الرجل فى الانتخابات الماضية برئاسة بلاده، أضعف موقف الجنائية وعزلها وأسس لموقف القادة الحالى المزمع اتخاذه، واضاف(المحكمة وجدت نفسها معزولة وان تحظى بأى دعم أوروبى أو أمريكى) وقطع بان التهم كانت ستظل وسيلة للابتزاز ليس الا لولا أن فاجأ الرئيس الكينى الجميع بموقفه الاخير. قانونياً اعتبر مولانا محمد احمد سالم فى حديثه ل(الرأى العام) أن ثمة تعذرا فى إسقاط التهم عن رئيس لا يزال يمارس سلطته، وأن الرجل برغم فوزه لا يؤثر على مسار المحكمة لجهة أن للمحكمة قوانينها ودستورها المستمد من روح القوانين الدولية، وليست خاضعة للدساتير او القوانين المحلية، واضاف( كينيا مصادقة على ميثاق روما وفوزه سابقاً مثل رصيدا ادبيا وسياسياً له ، لكن ذلك لا يكفى كاجراء قانونى لإسقاط التهم، لأنها عضو بموجب الميثاق، ما جعله حريصا على اتباع الآليات القانونية للدفاع عن نفسه بموجب دستور الجنائية). الجنائية برغم تعامل كينيا الحالى معها والتوقعات بمثول الرئيس الكينى أمامها فى نوفمبر المقبل، وما يمثله ذلك من رصيد ، إلا أن سالم يرى أن وضع المحكمة فى القارة سيظل مهزوزاً خصوصاً بعد تجربتها الفاشلة فى استهداف الرئيس البشير، وعجزها عن خلق رأى عام ضده، وفشلها عن حمل عضويتها فى التعاون معها ضده، بالاضافة لمضاعفة احتمالات انسحاب الدول الأفريقية الموقعة على المحكمة حال تم اتخاذ قرار بذلك فى القمة الطارئة.