قليلة تلك التقارير التي تتسم بالموضوعية والعدالة التي تنشرها عادة «فورينق بولسي» وهي الدورية ذات النفوذ الهائل في صناعة السياسة الخارجية للولايات المتحدة. التقرير في الدورية المحافظة يكتسب أهمية خاصة لان كاتبه قراهام فوللر كان أحد مسئولي التخطيط الاستراتيجي لوكالة الاستخبارات الامريكية (CIA) ومؤلف كتب عديدة بينها «مستقبل الاسلام السياسي» السؤال المحوري في التقرير: «ماذا لو لم يكن الاسلام موجوداً؟». فوللر ينتقد الغرب لربطه الارهاب بالاسلام، واما بالنسبة للمحافظين الجدد (في الإدارة الامريكية) فان «الفاشية الاسلامية»، كما يقولون: هو عدونا اللدود وحرب عالمية ثالثة تلوح في الافق. ويقول الكاتب ان ذاكرة الغرب قصيرة. ان علينا ان نتذكر ان العصابات اليهودية كانت تشن هجمات ارهابية على البريطانيين في فلسطين.. وان نمور التاميل الهندوس في سيرلانكا هم الذين اخترعوا السترة الانتحارية وقادوا العالم في التفجيرات الانتحارية بما فيها اغتيال راجيف عاندي رئيس وزراء الهند. وهناك ارهابيون يونانيون اغتالوا امريكيين في اثينا، والسيخ الذين اغتالوا انديرا غاندي ونشروا الفوضى في الهند واقاموا قاعدة خارجية في كندا واسقطوا طائرة اير انديا فوق المحيط الاطلسي، وكانت كل دول البلقان تخشى الارهابيين المقدونيين. وعلينا ان نتذكر ايضاً ان عشرات عمليات الاغتيالات الكبرى نفذها «فوضويون» اوروبيون وامريكيون في اواخر القرن «71» واوائل القرن العشرين. الجيش الجمهوري الايرلندي نفذ عمليات ارهابية ضد الجنود البريطانيين. وفي كينيا نفذ ارهابيو ال (ماوماو) عمليات ارهابية ضد المسؤولين البريطانيين. حتى النشاطات الارهابية الحديثة لا تبدو مختلفة.. فقد سجل مكتب الشرطة الاوروبي «894» عملية ارهابية في الاتحاد الاوروبي عام 6002م، منها «424» عملية تنسب لمجموعات انفصالية و«55» عملية من متطرفين يساريين.. و«81» عملية من عصابات متفرقة، واحدة فقط من تلك العمليات شنها اسلاميون. ويتساءل فوللر: هل من الصعب ان نتخيل ان العرب «مسيحيين ومسلمين» الغاضبين من اسرائيل أو من الغزوات الامبريالية المتتالية والانقلابات والتدخلات سيلجأون إلى اعمال ارهابية وحروب عصابات؟ لماذا علينا ان لا نتوقع منهم ان ينقلوا صراعهم إلى قلب الغرب؟ الشعوب التي تقاوم المضطهد الاجنبي تبحث عن شعارات لنشر وتعظيم القضية التي تقاتل من اجلها.. الارهاب لا يتطلب مسلمين لارتكابه. في غياب الاسلام كان العالم سيشهد معظم النزاعات الدامية على الساحة الجيوسياسية ولو لم تتذرع كل تلك المجموعات بالدين لوجدت راية اخرى تعبر من خلالها عن هويتها وقوميتها وسعيها للاستقلال. ويختتم الكاتب مقاله: «قد يتمنى البعض اليوم ان يكون العالم دون اسلام ودون مشاكل!، لكن في الحقيقة ان النزاعات والخصومات والازمات في عالم كهذا لن تكون مختلفة عن تلك التي نعاني منها اليوم».