المهتمّون بالصادر والوارد من الإنتاج الصحفى ينقسمون إلى صَفّيْن كلما يصدر كتاب يحتوى عموداً صحفيّاً... صفٌ يرى أنّ العمود الصحفى (صُنِعَ) ليحيا مع الصحيفة ثمّ يموت معها... ولذلك فليس للعمود الحق فى أن (يتنكّر) على شكل كتاب... وصَفٌ آخر يرى أنّ جمع الأعمدة فى كتاب صوْنٌ لشرف العمود لأنّ العمود لو تُرِكَ دون غطاء سَتُنْتَهك حرمته مع الصحيفة مباشرةً بعد غروب شمس يوم صدورها! الخميس المنصرم وفى توقيت ما بعد الظهيرة, وفى درجة حرارة قاعة الشارقة وتحت تأثير الضغط الجوّى لأدب السُخْرية (دَشَنَ) الكاتب الصحفى الأستاذ الفاتح جبرا كتابه الاوّل (لبس جماعى) وهو يحتوى حِساءً صحفيّاً لإثنين وستين من أعمدته (ساخر سبيل) التى تقع على الصفحة الاخيرة من صحيفة -الرأى العام- كما يقع حجر (النِبلة) على الثمرة أو على الصيد الطائر! الكتابة الصحفية للفاتح جبرا لا تُلْقى على القارئ نكاتاً... والقارئ الذى يتعاطى معها على هذا النحو سيفاجأ يوماً بأنّ قطاراً يقوده الفاتح جبرا مرّ بجانبه وهو يحمل أطناناً متريّة من القضايا والأحداث التى تمسك بتلابيبنا وتخنقنا وتمزّق اعصابنا دون أن يتمكّن هو من اللحاق بهذا القطار! يشهد العالم الصحفى لوناً جديداً من الكتابة الصحفية: الكتابة على المستوى الثانى... والسودان يشهد الآن هذا اللون, بعد أن كتب الكاتبون على المستوى الأوّل... كتابة صحافيّة ثانيّة يقرأها قرّاء الصحافة قراءةً ثانية... والفاتح جبرا من زُمْرَة كُتّاب الكتابة الثانية التى لا ينجح فى إلتقاطها غير قرّاء القراءة الثانية! للفاتج جبرا سلسلة صحفيّة أخرى لم يضمّها كتابٌ بعد, سلسلة سيناريوهات... كل سيناريو صحفى منها قابلٌ للتحوّل إلى فيلم سينمائى أو مسلسل تلفزيونى, إذ لا ينقصه غير المنتج... لذلك فسلسلة سيناريو دليلٌ إضافى على أنّ الأضواء الثقافيّة فى السودان بها بُقَعٌ معتمة تقع مسئوليّتها على السينمائيّين والتلفزيونيّين! بعد قراءة فيض زاخر من (ساخر سبيل) التى اختار لها الكاتب عنوان (لبس جماعى) دون ضبط تشكيلى, سيسأل القارئ نفسه, هل قرأ كتاب (لِبْس جماعى), أم قرأ كتاباً يُحْدِثُ (لَبْس) جماعى!!