هناك ظاهرة اجتماعية كثيرة التعقيد، وهي تحتاج لدراسة علماء الاجتماع ولمراقبة المشتغلين بالأمر الثقافي. وهذه الظاهرة تتجلى في اختلاط وتداخل العناصر الحضارية في السودان الحديث، بين حضارة وثقافة الريف من جانب، وحضارة وثقافة المدينة السودانية الحديثة الآن. كل مدن السودان في اريافه المتعددة والمتنوعة الثقافات تبدو كما لو أنها قرى كبيرة تتشبه بالمدينة، وكذلك تفعل قرى السودان ذات الشيء. أما العاصمة الخرطوم، فهي ومدنها الثلاث الخرطوم (عموم) والخرطوم بحري وأم درمان.. فالمراقب لحراكها الاجتماعي والثقافي والحضاري اليومي فهو يجد ذات الظاهرة. اذ نجد البيوت هنا مشيدة من طرازين معماريين.. قصور من طوابق ثلاثة.. الى جانبها وجوارها بيوت (الجالوص).. كما نجد البقالات التي تعرض الفاكهة واللحوم المستوردة والمعلبات من الجبن والمربات.. الى جانب الأسواق الشعبية التي تعرض الطماطم والعجور والخضر وفي شوارع المدن تتجول عربات الكارو التي تحمل قدور اللبن والذي تربى أبقاره عند أطراف المدن الثلاث. وهكذا تختلط مظاهر المدنية والريفية.. وفي زرائب تربية الأبقار هذه تجد الرعاة الذين يحلبونها جلوساً وهم يشاهدون برامج الفضائيات ويتابعون أخبار العالم.. ويربطون بين تلك الأحداث التي تقع في نيويورك وطوكيو واستوكهولم وما يحدث في السودان.. في العاصمة أو في الارياف. لقد أصبح هذا المواطن في كل مكان من السودان.. مواطناً.. قروياً وحضرياً.. وإقليمياً وعالمياً!! ولذا يمكن ان نستمع لأغنية خليل فرح (في الضواحي وطرف المداين) بأذن تستطيع ان تجمع بين النقائض والمتقابلات.