الفنانون الذين يمارسون ضروب الفن المختلفة، يعتزلون الانتاج الفني والفكري بسبب بلوغهم سن الشيخوخة. وهي الفترة التي يفتقدون فيها كفاءتهم الابداعية، فالعقل والوجدان يشيخان وكذلك الجسد، ومن ثم تصعب السيطرة على الافكار والاخيله التي تكون المادة الخام للابداع. فالعقل الابداعي يكون عندئذ في حالة غياب تام.. وتتداخل الحدود بين الازمنة وتفقد الذاكرة الابداعية والحياتية قدرتها على السيطرة والتحكم. وما حالة (الخرف) الا هذا التداخل المريع بين المعقول واللا معقول. اعتزل عميد الأدب العربي الكتابة عندما وصل الى هذه الحالة. واعتزل الناقد محمود أمين العالم وهو عند مشارف الثمانين. أما جان بول سارتر فقد وصل الى حالة من الهذيان المثير للشفقة كما كتب ادورد سعيد في آخر لقاء له مع سارتر في وسط السبعينيات قبل رحيل سارتر بشهور قليلة. وهمنجواي اعتزل بقتله لنفسه منتحراً. إلاَّ أنه يمكن القول من ناحية اخرى ان هناك فنانين اعتزلوا الفن في سن مبكرة، وذلك لاختلاف طبيعة فن الكتابة عن فن التمثيل. حيث يعتمد التمثيل على شباب الجسد وحيويته، ولكن حتى هنا فان ممثلة الاغراء الجسدي تعتمد على شبابها والاخريات يعتمدن على الموهبة التمثيلية الدرامية ولذلك فهن يواصلن العمل حتى حينما يبلغن من العمر عتياً. لقد واصلت في هوليوود كاترين هيبون حتى التسعين من العمر وكذلك فعلت جوان كرافورد وبتي ديفز، وفي مصر أمينة رزق وهدى سلطان، أما ماجدة وفاتن حمامة فقد اعتزلن مبكراً حتى لا تتعرض الصورة التي يحملها المشاهد لهن لتشويه. ولهذا السبب انتحرت سندرلا السينما سعاد حسني عندما خربت السنوات جمالها النضر فنضب وانزوى. وفي السودان اعتزلت تحية زروق.. ومن الكتاب المبدعين اعتزل الطيب زروق والزبير علي وعثمان الحوري وسيد أحمد الحردلو. والنور عثمان أبكر اعتزل الكتابة قبل رحيله بسنوات. أما مصطفى سند فقد اعلن اعتزاله قبل رحيله.. ثم عاد للكتابة حتى رحيله.