مع اقتراب أجل الاستفتاء المعني بتحديد مصير شعب جنوب السودان وبعد نهاية ماراثون الانتخابات السودانية بنجاح كبير يحسب لصالح أهل السودان قبل حكومتهم الحالية في ظل هذه الظروف نشطت الإدارة الأمريكية وعبر المبعوث الخاص للرئيس أوباما أسكوت غرايشن الذي يعكف الآن على عقد لقاءات مكثفة مع القوى السياسية السودانية وتحديداً مع أطراف اتفاق نيفاشا لجهة الدفع في اتجاه تسريع الخطى لإنفاذ ما تبقى من نصوص هذا الاتفاق المحروس برعاية وحماية دولية وأفريقية، إلا أن المراقبين لحقيقة الاهتمام الأمريكي بالشأن السوداني خصوصاً في هذا الظرف السياسي من تاريخ السودان الحديث يلحظون ثمة تسارع واهتمام متعاظم لمرحلة ما بعد الانتخابات المنتهية حالياً في السودان أو بالأحرى الترتيب بشكل جاد لتهيئة المناخ السياسي السوداني لاستقبال عملية الاستفتاء التي ستفضي بالتأكيد إلى أحد الخيارين وحدة طوعية أو انفصال سلس وبدون حروب أو دماء. ويبدو أن زيارة اسكوت غرايشن تأتي في ظل هذه الظروف بالغة التعقيد للإيفاء بمطلوبات الرؤية الأمريكية بشأن مصير وحدة السودان بعد تقرير المصير، والزيارة إذن لا تخرج من كونها تستهدف إنفاذ أجندة وسيناريوهات أمريكية تلعب لصالح الإدارة الأمريكية في السودان. والواقع أن ما بين الخرطوموواشنطن تقارب ظل قائماً لفترات طويلة وظل حبل الود بين الجانبين رهين بشكل وطبيعة الأجواء السياسية والدبلوماسية بين كل من الخرطوم وواشنطون. وتقول القراءة المنطقية والموضوعية في التعاطي السياسي للعلاقة بين السودان وأمريكا أن الحماس أو الديناميكية التي تتحرك بها الإدارة الأمريكية في هذه الآونة تجاه القضايا السودانية والتحرك أو رد الفعل الموجب إزاء العملية الانتخابية مرده الأساسي إلى حرص واشنطن على تأمين عملية الاستفتاء لشعب جنوب السودان والمقررة في 2011م أو هكذا يعتقد المراقبين السياسيين والمهتمين بشؤون العلاقات السودانية الأمريكية، إلا أن البعض وصف موقف الإدارة الأمريكية أو اضطرابها بشأن رؤيتها للانتخابات السودانية بأنه يعكس حقيقة النوايا السيئة أو الأفكار السوداء التي تسعى أمريكا إلى إنزالها في أرض الواقع بالسودان وهذه الأفكار لا تخدم سوى المصالح الأمريكية في القارة الأفريقية وليس في السودان فقط خصوصاً بعد تنامي المخاوف الأمريكية من خطورة التمدد الصيني في القارة السوداء وتأثير ذلك سلباً على مصالحها ومكاسبها السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة وتشير المعطيات السياسية إلى أن واشنطن تريد الانتقام من حكومة السودان بدعمها ورعايتها لحكومة مستقلة في الجنوب تعيد لها حلمها القديم بالسيطرة على منابع النفط في الجنوب السوداني وذلك بعد أن أدركت واشنطن قدرة وقوة النظام الحاكم في السودان رغم التحديات والمؤامرات والسيناريوهات التي أعدت لاسقاطه وبالتالي فإن أمريكا أصبحت على قناعة تامة باستحالة إزالة حكومة البشير خصوصاً بعد أن اكتسبت هذه الحكومة شرعية انتخابية جديدة شهد عليها المجتمع الدولي بكامله قبل المجتمع المحلي رغم أن أعداء السودان حاولوا التشويش على العملية الانتخابية التي جرت بسهولة ويسر في السودان ومحاولة دمغها بالتزوير والضعف عبر مزاعم المعايير الدولية. وتأسيساً على كل هذه المعطيات فإن زيارة غرايشن إلى السودان الآن يمكن النظر إليها من عدة زوايا ولكن الواضح في مغازي وأبعاد الزيارة أنها تصب في ماعون النوايا السيئة والسيناريوهات الأمريكية الخفية للإدارة الأمريكية تجاه السودان وبات من الواضح أن غرايشن سيلتقي بالمسؤولين السودانيين في الشمال والجنوب ليس لإبلاغهم بحقيقة هذه النوايا والسيناريوهات وإنما لحثهم على ضرورة أن يمضي الشريكان إلى نهاية الشوط حتى يبلغا أجل الاستفتاء دون حدوث أي عقبات أو مطبات سياسية من شأنها تعطيل مشروع الاستفتاء والذي أصبح كما يبدو يمضي في غاياته بقوة دفع أمريكية في الوقت الذي تتحدث فيه بعض التقارير الدولية عن عمليات تحضيرية واسعة تقودها الإدارة الأمريكية لبناء قاعدة أساسية للدولة الوليدة في الجنوب وفق الرؤية الأمريكية ، دولة تسعى إلى الحد من النفوذ الصيني في القارة الأفريقية وتقول ذات التقارير أن كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة آخذة في التدفق إلى جنوب السودان عبر صفقات رسمية تمت بين الحركة الشعبية وعدد من الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل.