عود على بدء فأن الأطهار الذين أستهدفهم مقال الدكتور الطيب زين العابدين ( أطهار الحركة الإسلامية ماذا ينتظرون ) مصابين بالصمم الكامل ولن يستطيعوا حتى لمجرد تركيز بسيط للسمع فيما ورد عن فساد شركة الأقطان أو فساد شراء ذمم قيادات الخدمة المدنية حيث تبدو هذه الفضيحة كطنين بعوض في ليلة خريفية تنتهي ببزوغ فجرٍ كاذب جديد كالذي قام به رئيس الجمهورية وهو حل مجلس إدارة شركة الأقطان وذلك لبديهية بسيطة وهو أنهم استكانوا فيما هم عليه وما وصلوا له من مراتب ومناصب عبر تمكين النظام لهم ويعلمون جيداً في غرارة أنفسهم أنه لولا التسلط والبطش الذي مارسه النظام وهم من خلفه لم تبدل بهم الحال وارتفعت درجاتهم فوق المقام, فقد قام النظام بإخلاء معظم القطاعات المدنية والعسكرية من ذوي الكفاءات وقام بإحلال أصحاب الولاء دون علم مكتسب أو خبرة يشار لها في كيان الحركة الإسلامية، وبذلك صاروا عبده لتمجيد هذا النظام وتغافلوا عن الكثير من الجبروت والفساد الذي تسرطن في جسد الإنقاذ يبتغون الفضل من الحاكم لا من الله. أن هؤلاء الأطهار وقرت آذانهم وما عاد يأتيهم النفع من السمع أو كما المثل العاميّ ( دي بطينه ودي بعجينه)، وطنين البعوض أو فساد شركة الأقطان لن يزلزل كيانهم ويسقط وقر أذانهم طالما أن تسبيحهم وحمدهم لهذا النظام، فقد مر هؤلاء الأطهار على امتحانات كثر وابتلاءات عظيمة ما حركت فيهم ساكن ولا أسكنت فيهم متحرك فقد جاءت مفاصلة الحركة الكبيرة وارتضوا بالأمر والسمع والطاعة يأخذ بيدهم لا الشورى التي اعتقدوها، وفضلوا مشيئة العسكر علي شيخهم وباعوه بثمنٍ بخس، راتب بدنانير معدودة ومناصب تخلو من احترام العامة لهم، وتركوا الشيخ حسن الترابي مؤسس حركتهم وسلطتهم الغاصبة لغمة سائغة في يد الجلاد الذي امسكه السوط بنفسه، ولا يمكن لهؤلاء الأطهار الذين لم يحركهم تعذيب أباهم أن يولوا الأدبار من النظام عقب فضيحة الأقطان، ولا يمكن أن يسمحوا لهذه الفضيحة أن تقلق مضاجعهم وهم خلودٌ نيام ونظامهم يقتل ويسحل في دارفور ويشرد الأمنيين من ديارهم وحواكيرهم منهم حفظة الكتاب الكريم الذي يهندسون منه الفتاوى التي بها هم يحكمون وبها هم يبطشون. ولم تزلزل أزمة دارفور وعشرات الآلاف من القتلى ومليوني نازح ضمير هؤلاء الأطهار فكيف توخز ضميرهم بضع ملايين من الدولارات ضاعت فساداً ، وكيف في الأصل أن نوجه صحو ضميرهم بمثل هذه الفضيحة الصغيرة ونترك مآسي الشعب الكبيرة. ومثلما لم تزلزلهم دارفور فلن يهتمون حتى بالتفاته لما حدث في مباني جامعة الرباط وفساد وزيرها الذي ترقى بالمناصب نتاج الفساد، ولا يمكن أن يخالجهم إحساس الألم الذي يعتصر اسر شهداء كل من أحداث بور تسودان وكجبار والمناصير،وبالطبع لن يضيرهم انفصال الجنوب ولا مالأت الصراع التي يمكن أن تؤدي لها أزمة دارفور أو شنّ الحروب التي يقوم بها النظام في النيل الأزرق أو جبال النوبة. وبالتأكيد لم يتضرر الأطهار من غلاء المعيشة والطحن الذي فيه عقل المواطن المغلوب والنظام يرفع يده عن الصحة والتعليم وبالتالي ليس بوسع أياً من هؤلاء الأطهار أن يعالج صمّه ويعتّد بالطهرانية التي تمثّلها. أيضاً لم يكن لهم أي دور وأموال الشعب عن تنجيم الذهب والبترول لا يعرف أي شخص القيمة المالية التي جلبتها أو البنود التي صرفت فيها وفيما تصرف، وهنا الحديث ليس عن قيم مالية بحجم ما تم نهبه عبر شركة الأقطان ولكن مليارات الدولارات، أو ليس من العدل توجيه سهام هذا الفساد المحسوب بالمليار لوخز هؤلاء الأطهار إن كان لهم ضمير لمثل هذا النهب المنظم والذي يغرق فيه النظام من أعلى قيادته لأسفل قواعده. و الفساد داخل هذا النظام لم يكن في جانب المال فقط بل تعداه للكثير، ولم يكن لهؤلاء الأطهار أي دور يُّقلب رقودهم بذات اليمين أو الشمال والنظام يترك أطراف الوطن تنهشه دول الجوار في حلايب والفشقة وغيرها،وكذلك حينما فسد النظام أخلاقياً وهو يقوم بضرب حركات الإسلام السياسي الدولي وتسليم أخوتهم في الدين والأصولية للمخابرات الأمريكية في انبطاح كبير عندما شنّت الولاياتالمتحدة حربها على الإرهاب، ولم نجد طاهراً واحداً قام بإدانة هذا الفعل أو سوّلت له نفسه تقصي الحقيقة في ذلك. أخيراُ فإن مقال الدكتور الطيب زين العابدين لا مكان له في هذه الآذان الممتلئة بالوقر كما هو في المثل العاميّ (ينفخ في قربة مقددة ) ونتمنى لو لم يكن كذلك لصاحب المقال, فهؤلاء الأطهار كما قلنا من قبل لا وجود لهم بين هذه العصبة، حيث أصبحت السلطة مفسدة في زمن غابت فيه كل الفضائل وصار الحاكم في مقام التأليه وأصبح استمرار النظام بكل أخطائه مقدساً ومعصوم عن المحاسبة. ورحم الله امرؤٌّ عرف قدر نفسه وطهارته وهو الراحل حماد توفيق، فقد حكي الدكتور منصور خالد في نفس الكتاب الذي اشرنا له في المقال الأول أنه دخل يوماً على الراحل في مكتبه فتهللت أساريره وقال له الحمد لله الذي أرسلك إلىّ في هذا اليوم فأنا في حاجة لمبلغ مائة دولار أتمم بها التحويل المالي لأبني الذي يدرس بالخارج,وقد قال أنه أضطر لبيع الراديو لإتمام هذا المبلغ وكان هذا المبلغ يعادل ثلاثين جنيهاُ في ذلك الزمان! ويا للعجب فقد قال الراحل هذا الكلام وهو يتوسد كرسي مدير البنك الزراعي السوداني. مجاهد عبدالله محمد علي