· ان اختلف الناس حول طريقة ادارة دفة الحكم بالسودان وصلت لحد الاحتراب في اطول حرب على المستوى الافريقي فان الغالبية يجمعون على انه يبقى البلد الاكثر انسجاما في دواخل مواطنيه ولا يختلف اثنان في حبه وقد لا يختلفوا ايضا في طبيعة الانسان السوداني الملتحف بثوب الطيبة والبساطة والصارمة واحتفاظه بتكوينه الفطري ناصع البياض يبقى الابرز رغم عثرات الطريق وضغوطات الحياة المعيشية التي وصلت لاقصى مداها والسياسية التي تراوح مكانها ما ان تنطفي بؤرة إلا واشتعلت أختها وقد يختلف في تقييم ذلك كلا وبحسب قربه او بعده عن مراكز القرار او الاحزاب السياسية بتوجهاتها المختلفة والتي في الغالب الاعم ليست بأحسن حالا عن من يديرون مفاصل الحكم. · مناسبة هذه المقدمة الحديث الذي ادلى به وزير الدفاع عبدالرحيم محمد حسين في ليلة " الحزن الدفين " تأبينا لفقيد السودان الهرم وردي طيب الله ثراه قال ما معناه " كنت في زيارة الفنان طريح الفراش وطلب مني ان اصالحه والرئيس البشير فقلت له لا اعتقد انه حامل عليك .. ولكن حينما اصر ذهبت رأسا من المستشفى للسيد الرئيس وخلال ساعة كنا في زيارتة ". · هذه الشهادة او الحديث المقتضب يبقى من وجهة نظرنا المتواضعة ضمن جواهر الانسان السوداني وطبقات حسه الانساني الشفيف بمعتقداته الدينية والمميزة " للزول " مهما علا او تدني وضعه الاجتماعي والمعيشي ومهما تربع على كرسي المقامات العليا او كان على باب الله راعي ابل او مزارع معلم او تاجر سائق ركشة او يحتضر على فراش المرض او على اكتافه نياشين العسكر والضبط والربط . · اهمية ما ادلى به وزير الدفاع يصب في حسن الخواتيم والذي يبدو ان الموسيقار وردي استهدفه وسعى له بطلبه الصلح مع رأس الدولة او الوطن او كلاهما معا وهو الذي ذاق آلم الفراق ومعاناة اللجوء وتاريخه النضالي بالكلمة المموسقة الهادفة كتاب مفتوح للجميع . · في مقابل ذلك ابى الكاتب والاعلامي القامة طلحة جبريل إلا أن يقدم شهادة مكتوبة نشرها في 24 فبراير " الطيب صالح .. ملابسات على حافة القبر " تأبى للاديب الطيب صالح طيب الله ثراه ان يكون في زمرة الساعين لحسن الختام واستميح كاتبنا عذرا لتجييري لعنوان مقاله حيث نصب الجبريل نفسه وكأنه وصي على الراحل المقيم الاديب العالمي .. كتب جبريل " ثمة من يطرح سؤالاً ربما يبدو شائكاً للوهلة الأولى، بشأن موقف الطيب صالح قبل رحيله ، من النظام في السودان ومبعث السؤال أن التلفزيون الرسمي بث معه حوارا وهو على فراش المرض يقول فيه كلاماً يفهم منه أن الرجل تحول من "معارض" الى "مؤيد" ماذا قال ؟ من ضمن ما قال " يبدو لي أن عمر البشير أوضح ما فيه أنه متواضع وليس فيه نفخة الحكام والعساكر، مثله مثل أهلنا، وهو كويس معنا الآن" هل قال الطيب صالح هذا ؟ نعم لكن مهلاً ، ما هو السياق؟ ليقول " الجبريل " تحدثت من واشنطن للاطمئنان عليه في الفترة التي اشتدت عليه وطأة المرض، واستفسرني إذا شاهدت الحوار والذي شاهدته لاحقا ، وأدركت أن الطيب قال كلاماً وهو في حالة إعياء شديد ، غير قادر على طرح أفكاره بالطريقة التي اعتاد عليها، كان واضحاً أنه لم يعد قادراً حتى على التركيز. وظهر وهو يرتدي زياً غير معتاد، جلابية بدون عمامة ، وكأنه أجبر على النهوض من فراش المرض ليجلس على الكرسي ويواجه الكاميرا . فاتصلت به وقلت باقتضاب وعلى سبيل المجاملة الواجبة إنني إطمأنيت على صحته من ظهوره على الشاشة. فسألني عن رأيي في ما قال ، وكان جوابي بالحرف" كنت أفضل الا تتحدث الى ان يمن الله عليك بالصحة والعافية "فسألني" يبدو ان حديثي لم يعجبك" !! أنتهى نعم .. فالكاتب الكبير والذي اعطى نفسه الحق في إلتزام كامل اللباقة مراعاة لظروف " الصالح " الصحية فات عليه ان الاخر قد يكون حادثه بلباقة اكثر وانه ومهما كانت درجات وعمق صداقته لا يستطيع ان يغوص في دواخل هذا " الصالح " ليكشف إن كان يسعى لحسن الختام نظيفا طاهرا دون معاداة لا للوطن ولا لحكامه ولا لابناء جلدته واهله وناسه وأي كانوا .. كما فات عليه ايضا ان هذا الصالح عرف عنه القدرة الفائقة لمحبة الاخرين ومجاملتهم واحتضانهم وقصد ان يرسخها أكثر وهو على فراش المرض .. وفي فقرة اخرى يقول الكاتب مخاطبا الصالح - هؤلاء الناس - كانوا يريدون أن ينتزعوا منك شهادة براءة ، وحصلوا على ما يريدون ليقول : وشعرت وقتها بأنني ربما أبديت ملاحظة تنقصها اللباقة ، وهو أمر لا يجوز أخلاقياً، لشخص يصارع المرض في صمت ليردفها لكنه قال بلطفه المعهود " طيب يا شقي الحال " حاول ان تصحح ما يمكن تصحيحه .. هؤلاء الناس الله يهديهم وفهمت أنها وصية. انتهى السؤال البديهي لماذا يا اخ " الجبريل " لم تستخلص ان " الصالح " ربما يطلب منك ان تصطف معه لطلب الهداية من العلي القدير- لهؤلاء الناس - ولماذا لم يخطر ببالكم انه ربما كان في لحظات تجلي ودنو الاجل يسعى ليكيل بمكاييل ما يثقل ميزان حسناته بدلا من تصنيفه في خانة المؤيد او المعارض وانه تماما يفصل بين كرسي الحكم وذات الانسان وقد ذكرتم ان الطيب ليس في كفة هؤلاء ولا هؤلاء .. لماذا لم يخطر على بالكم ان وصيته ان تقدم لهم النصح وان تمد معهم جسور التواصل الانساني لاجل الوطن وانسانه الاغبش وليس انتزاع وصية " شايهة " من من كان يصارع المرض لتنشر وهو في رحاب المولى العزيز الغفار . وان سلمنا جدلا ان الاديب " الصالح " في ذاك اللقاء التلفزيوني كان غير قادر على طرح افكاره " حسب الكاتب " واجبر على الجلوس غير مهندما ليدلي بحديث غير مركب فما تفسيركم يا هداكم الله لتدفق الدموع التي انهارت منه مدرارا ؟ كفكف بعضها لكن غصتها أحسب انها بقيت في الحلقوم .. هل كان يحاسب نفسه او يحاسب هؤلاء الناس ؟ هل لان مستضيفه تلفزيونيا كان يلوح له بسوط أم هناك " أم بعبع " خلف الكاميرا !! تهدده لتنتزع منه البراءة .. كيف تريد يا هداك الله ان تقنع القاريء ان الصالح حتى في زيارته العام 2005 لم يكن قادرا على توصيف الاشياء بمسمياتها وتشبيه الناس بما يشبههم .. وان كان وهو طريح فراش المرض غير مرتب الافكار برغم ذلك كيف استطاع ان يسالكم الرأي في ما قال !! وما تعليقكم يا ترى وهو زائرا بكامل اناقته ولباقته ولياقته وارادته ولاصدقائه ومعارفه ولسد مروي .. لماذا تريد أخي العزيز تلوين ما قاله وهو فرح بناسه واهله وتراب بلده الذي ادفق لاجله دررا تبقى شهادة حية تمشي بين الناس وستظل ابدا .. خاصة وان الصالح اجمع عشاقه ومنتقديه أنه من أميز من غاص بقلمه وفكره لتأصيل وتفصيل الشخصية السودانية وقدمها للعالم دون مساحيق ولا الوان للدرجة التي لم يستطع الانفكاك من رأي النقاد اللذين نسجوه بلحمه ودمه بخيط حرير ناعم وبعض ابطال رواياته .. فهل يفشل هذا " الصالح " بأن يقدم نفسه خلال تلك الزيارة او ذاك اللقاء التلفزيوني محبا متسامحا حتى مع من وصفهم سابقا .. بهؤلاء الناس ومن أين اتي هؤلاء .. وبين الحوار التلفزيوني وزيارة السودان امدا طويل قد يكون جاوز السنة او يزيد . . وما تفسيركم لمقولته " وهو معنا كويس الان" ويعني الرئيس البشير !! وشهادتكم ايها " الجبريل " وإن كانت وصية لماذا حبستموها لنيف من الشهور او السنوات او يزيد ومنذ ان قادر لدار البقاء !! الوصايا لا تحتمل التأجيل بالحزن فالرجال مواقف والامانات دين في الرقاب .. فليتكم فعلت والطيب بيننا. تماماً كما فعلت عندما زار الخرطوم في ابريل 2005 ، حين رتب له البعض لقاءات مع كبار الرسميين كان يهمهم النظام وليس الطيب .. او ربما الطيب لاجل النظام .. او الانسان لاجل الذات ولأجل دار البقاء .. او .. وسؤالي - عذرا - ألهذا الحد " الصالح " يمكن ان يكون اداة طيعة لا يستطيع ان يقيم المواقف له أم عليه !! وإن كان الامر كذلك تحتم الامانة ان تقدموا للقاريء دراسة علمية صادقة يكون محورها شخصية هذا " الصالح " المثير للجدل وفي الختام اسمحوا لي استعارة خاتمة مقالكم لانها الصورة الطبق الاصل لشخصية الصالح والاكثر لمعانا في اذهان العديد من القراء حول العالم أو من عرفوه عن قرب كحالاتي.. " أتذكر أنه كان يحدثني أن "فلاناً" أو " فلان" من الذين رتبوا زيارته للخرطوم أو احتفوا به "أناس طيبون" لأن الطيب طيلة حياته لم ينتقد شخصاً، وكان يعتقد ً أن جميع الناس في هذا الوطن الذي نحب "طيبون عشرتهم سهلة " ومن شذ عن ذلك فهو لا يشبه الشخصية السودانية كثيرا ولهولاء وهؤلاء نطلب لهم الهداية من الله ومن قبل ومن بعد لكم كامل التقدير والتحايا .. عواطف عبداللطيف [email protected] اعلامية مقيمة بقطر همسة : محزن ألا يكون بيننا " الصالح " بقدر ما هو مفرح أن تكون اقواله دعوة للتسامح والترابط واعادة النظر في الشخصية السودانية وعلو الهمة بيننا .